لم يكن النشيد الإسلامي بمنأى عن التحولات الصارخة التي امتدت في مناشط ومجالات مختلفة كانت حتى وقت قريب تحافظ على هوية متماسكة وإطار ثابت قليلاً ما يتزحزح أو يتبدل. وشكلت التحولات التي طرأت على النشيد الإسلامي منطقة تباين في النظر إليها في إطار تحولات طبيعية لنشاط إنساني ما، أو كونها انحرافاً عن الضابط الإسلامي الذي يعطي النشيد صفة الالتزام والقبول الديني. ويمكن ملاحظة حجم التحولات التي لحقت بهذا المجال من خلال الفرق بين تحول أكثر المنشدين شهرة وأغزرهم إنتاجاً، ممن ارتبط اسمه وطرحه الفني بقضايا الأمة وهمومها إلى مجال الغناء الطربي، وبين تراجع أشهر المطربين وأبرز نجوم الغناء وانخراطهم في إطار الإنشاد الديني، وتوقفهم المطلق عن استخدام الأدوات الموسيقية والآلات المساندة كأكثر أنواع التعبير حدة عن التحول الجديد. نشأة الإنشاد الديني قديمة ولكنه بقي لصيقاً بممارسات التصوف والمذاهب السلوكية، حتى نفخت فيه الصحوة الإسلامية الحديثة روح التجدد ونهض بمهمة التنافس مع الغناء الطربي، فضلاً عن دوره المعنوي في دعم قضايا الأمة واهتماماتها، وأبعد من ذلك عندما استطاعت الجماعات المتطرفة الإسلامية توظيفه لأغراض إعلامية بحتة وضمن برامج التحريض والتجنيد عن بعد. وخلال انخفاض موجة الإرهاب وقيام حملات النقد والتجديد الفكري والاجتماعي، بزغ نجم النشيد الإسلامي الجديد بالتزامن مع تحولات كبيرة طرأت على أيقونات إسلامية واجتماعية مختلفة من الدعوة إلى الإعلام إلى الاجتماع السياسي. تبنى النشيد الإسلامي إدماج الإيقاعات في طرحه الفني، ولاقى معارضة شديدة من العلماء وبقية ممن انتصروا لشكله القديم لاعتبارات دينية وأخرى فنية بحتة اعتبرت توظيف الآلات الجديدة تعبيراً عن ضعف الأداء وفساد الذائقة، فضلاً عن تحفظ جمهور من المتابعين على ما طرأ على النشيد الإسلامي من تطورات تسببت في دخول نجوم إنشادية من بلاد غربية وأخرى عربية لها باع طويل في الفن بمعناه الواسع، وتمتلك خلفيات علمية وفنية في إحداث نقلات واسعة في مجال النشيد الإسلامي، قد لا تنال رضا قطاعات أكثر تحفظاً، ولكن المجال أصبح مفتوحاً ومتداولاً بما لا يجعله حكراً ولا حصراً على فكر معين أو توجه ما. كانت مواضيع النشيد في البدايات الأولى لا تتجاوز المعاني الروحية والدعوية، إضافة إلى المواضيع الجهادية التي ظفرت بزخم واسع بالتزامن مع واقع سياسي متسارع في فلسطين وأفغانستان وبلدان أوروبية تعرضت لاضطهادات عنصرية، ولكن انتشار النشيد في شكل واسع أسهم في توسيع دائرة مواضيع النشيد لتشمل مناحي الحياة كافة، فدخلت مواضيع الغزل والشوق والحب والحنين في حركة النشيد الذي يكاد يستوعب كافة المواضيع التي يطرقها الفن بشكله الأعم. وفي تطور ملاحظ بدأت ظاهرة الأناشيد المصورة أو ما بات يعرف بالفيديو كليب، في ظل انتشار قنوات فضائية ذات طابع إسلامي تتبنى هذه الاهتمامات مالياً وفنياً، ولكنها لا تصل بالفيديو كليب الإسلامي إلى درجة المنافسة في سوق المنتجات الفنية العامة، وهذا يعبر عن تحول قويّ في تاريخ النشيد الإسلامي كله، لأن الفيديو كليب هو الأكثر عرضاً وقبولاً لدى الجماهير في زمن مشبع بثقافة الصورة. ويعرف المنشد البريطاني سامي يوسف بأنه أكثر المنشدين الذين نقلوا مرحلة «أناشيد الفيديو كليب» إلى القنوات الفضائية، بعد تقديمه أنشودة «المعلم» بفيديو كليب نال انتشاراً واسعاً، وفازت أنشودته بالمركز الأول في قناة غنائية شهيرة. ثم أنتج المنشد الكويتي مشاري العرادة فيديو كليب «فرشي التراب»، ولكن موضوعها أعاق انتشارها التلفزيوني، ثم تكررت المحاولات في هذا الإطار. وفي سياق التطورات شكّل مجموعة من المهتمين الخليجيين بالفن الإسلامي رابطة الفن الإسلامي مقرها في السويد، وتدار في محافظة جدة السعودية. ووضعت هذه الرابطة في قائمة أعمالها دعم الفنانين الملتزمين، من حيث تدريب المواهب الفنية على حسابها الخاص. إضافة إلى سعيها لإنشاء موقع لها على الإنترنت بحيث يكون فاعلاً مع الفنانين الملتزمين، فتتابع أخبارهم، وتسعى إلى حفظ حقوقهم في الأشرطة التي يصدرونها بين الحين والآخر. ورأى المهتمون أن هذا يتطلّب جهداً واسعاً، لأن الرابطة هي مؤسسة خاصة، أي أنها لا تملك قرار المحاسبة والمتابعة للسرقات التي تحدث في عالم الأشرطة.