ارتفع خلال العشر سنوات الماضية عدد الأسر اليمنية التي توظف أجنبيات في عمل المنزل. وواضح أن انتشار الخادمات الأجنبيات المحدود لم يسفر بعد عن مشاكل كبيرة، كما هو حاصل في دول خليجية مجاورة، لكن يبدو أنه يتجه نحو إثارتها. وثمة من يرى أن قضايا الخادمة الأجنبية ما زالت تحت السطح. ولعل التضخيم والمبالغة اللذين ينطوي عليهما الحديث الدائر حالياً حول «سلبيات الشغالة الأجنبية»، يشي بإمكان اطراده. والحاصل هو تعرض الأجنبيات العاملات في المنازل لانتهاكات. وتشكل المعتقدات أحد المحاذير المطروحة، وتكاد تتحوّل معضلة. وتفيد معلومات عن اضطرار عدد من الأثيوبيات إلى اعتناق الدين الإسلامي تحت وطأة الضغوط التي يتعرضن لها. وتتهم جماعات متشددة ومنظمات ناشطة في مجال دعوة الأجانب إلى دخول الإسلام، بالوقوف وراء إثارة المخاوف من ديانة الشغالة ومعتقداتها. ويذهب الذين يرفضون عمل غير المسلمة في المنزل إلى الاعتقاد بوجود «مؤامرة دولية تستهدف تنصير اليمنيين». وينطوي بعض النقاشات عبر مواقع إلكترونية يمنية على خطابات تزعم «وجود مؤامرة تنصير عبر الشغالات»، وتدعو إلى إحباطها. وتقول فتاة أثيوبية طلبت عدم كشف اسمها، إنها عملت مدة عامين لدى أسرة يمنية عاملتها معاملة حسنة، ولكنها تحفظت على معتقداتها. واقترح أفراد الأسرة عليها اعتناق الإسلام، ووعدوها بتحسن أوضاعها، لو فعلت ذلك، ولكن من دون أن يهددوها بشيء، كما قالت. تُلصق بالشغالات الأجنبيات، وخصوصاً الأثيوبيات، تُهم نشر الرذيلة والأيدز. وتأتي الأثيوبيات في المرتبة الأولى من عدد العاملات في المنازل، تليهن الصوماليات والسريلانكيات والفيليبينيات. والنظرة السلبية إلى الشغالة الأجنبية ما زالت محدودة ولم تصبح ظاهرة. وتتحدث تقارير دولية تناولت الأثيوبيات اللاتي يُستقدمن إلى اليمن للعمل في المنازل، أن الشغالات الأثيوبيات بتن أشبه بسجينات في منازل أرباب عملهن. إلا أن التقارير نفسها تؤكد أن وضع الشغالات الأجنبيات في اليمن يُعتبر جيداً، قياساً على أوضاع قريناتهن في السعودية ودول الخليج. ويفيد بعض الشغالات الأثيوبيات بتعرضهن لمضايقات في الشارع وفي منازل مخدوميهن، وبأنهن لا يرين جدوى في تقديم الشكوى، إن لأحد أفراد الأسرة أم للشرطة، خشية أن تنعكس النتائج سلباً عليهن. وثمة حكايات عن ربات بيوت يكدن للشغالات غيرة وخشية وتوجساً من علاقة بين الزوج والشغالة، خصوصاً إذا كانت شابة جميلة. وأحياناً، تلفق الزوجة للشغالة تهماً مثل السرقة. ويتحدث بعضهم عن شغالات تمكنّ من الإيقاع برب الأسرة وجره إلى الزواج بهن، ومن ثم استولين على ما وقع بين أيديهن من مال وذهب وغادرن البلد. وبدا أن وضع الشغالات الأثيوبيات والصوماليات أحسن حالاً من وضع زميلاتهن من جنسيات أخرى، خصوصاً لجهة التكيّف والتأقلم. فالقادمات من بلدان القرن الأفريقي لا يواجهن صعوبة كبيرة في التعامل مع الأسر التي يعملن لديها، نظراً إلى تشابه العادات والتقاليد. وهذا على عكس العاملات من جنسيات أخرى، مثل السريلانكية والبنغلادشية والفيليبينية، اللواتي يواجهن صعوبات كبيرة في التكيّف. ولعل مشهد تلاقي الشغالات من هذه الجنسيات في ميدان التحرير أيام الجمعة، يشير إلى الحنين والشعور بالغربة. ويتضاعف ذلك مع افتقار صنعاء إلى أماكن لهو مناسبة. وتحول طبيعة المجتمع اليمني المحافظة دون تكوين صداقات. ويتركز عمل الفيليبينيات، على سبيل المثال، في منازل عائلات أجنبية أو يمنية يتقن أفرادها لغة أجنبية، فيما تميل معظم الأسر اليمنية إلى تشغيل أثيوبيات وصوماليات. وأجر الفيليبينية هو الأعلى ويصل إلى 250 دولاراً شهرياً، في حين تقبض الشغالات من الجنسيات الأخرى ما بين 100 و200 دولار. وتقول وميض شاكر وهي ناشطة حقوقية، أن انخراط العاملات من جنسية أثيوبية في إطار جالية كبيرة تشكلت عبر السنوات وتضم أجيالاً مختلفة، عزز أوضاعهن وجعلهن يتحركن بحرية اكبر واقتناص فرص عمل وتبديلها من دون الصعوبات المعهودة، مثل العودة إلى الكفيل. وتشير شاكر إلى أن شبكات توظيف للوافدات الجدد يديرها اولئك اللواتي يكن أقدم سناً وإقامة. ويحصل مكتب التشغيل على نحو 950 دولاراً، 200 منها للمكتب، والبقية لرسوم الطبابة والجوازات وقيمة تذكرة السفر. ويستلم المكتب مبالغ من طالبة العمل. وقالت الأثيوبية التي تعمل في منزل وميض شاكر إنها دفعت 400 دولار للمكتب. ونقلت باحثة انثربولوجية هولندية عن فتيات إثيوبيات يعملن في اليمن، أنهن تعرضن لاعتداءات على أيدي أصحاب هذه المكاتب. وثمة أثيوبيات يتخذن من اليمن محطة ترانزيت للسفر إلى السعودية والخليج والعمل هناك. وأخيراً، انتقلت مقولة «أولاد الشغالة» إلى الخطاب السياسي، وتطلق للتدليل على وجود تمييز في حقوق المواطنة.