إن تجلس في حضرة بركان ومدفع عملاق توقع حينها كل شيء.. داود الشريان من منا لا يعرفه بإطلالته ولغته المحببة، في شكل العقال على رأسه، بعلبة الكبريت التي تبحث عما يستحق لتشتعل فيه. البعض ولد وفي فمه ملعقة من ذهب، وأبومحمد ولد وفي فمه ملعقة من إعلام، كل الفنون الإعلامية مارسها وأبدع فيها.. يصل بسرعة وقد يغادر بسرعة، يعيش الفروسية في العمل، ويكره من يفشي الأسرار، يجيد اللعبة جيداً ويطبخ كل شيء كما يجب.. لأنه بسيط دخل القلوب، ولأنه عميق نافس الكبار وجلس بينهم والكل ينظر إليه، هو رقم صعب ويستمتع بأنه ما زال ينافس ويبدع، لا يمكنك أن تتنبأ بمرحلته المقبلة، لأنه خير من يلعب اللعبة الصحيحة ويعرف السوق أين تتجه فيسبق الكل إليها! ضيفنا لا تؤثر فيه الآيديولوجيا والنظريات، ولا تشغله الأفكار والمسميات، ما يهمه النقطة والفاصلة تكونان في مكانهما الصحيح، حينها نضمن أن الجملة ستُقرأ جيداً! عاش مع الأجواد وتشرب التسامح، فعرف كيف يعيش بلا ضجيج موجع، بل يعرف كيف يخرج من هنا ليدخل هناك على صهوة جواد آمن به وبمهنيته. برنامجه «الثامنة» أثير لديه، ومحطته في «اليمامة» يدين لها بالكثير، وبين «الدعوة» و«المسلمون» خرج بنيران لم تحرقه كله، ليجد في «الحياة» و«العربية» خطاً جديداً في مشواره يجعله يبدع أكثر.. هل كانت بداياتك تبشر بما أنت فيه الآن؟ - بكل تأكيد. منذ بدأت تمثلت بيت الشاعر ابن فطيس «ماني بمن ياتي ولا يدري به.... شطرٍ حفظته ما أعرف كتابه». تسارع وتيرة حياتك هل تحيله إلى جينات معينة، أم تراه تطوراً طبيعياً؟ - لا أحد ينكر تأثير الجينات، أنا أشبه والدي رحمه الله، في سرعة حرق المراحل، وبعض أولادي يشبهني الآن. أنا أتجاوز العمل الذي أفرغ منه فوراً، وأشرع في الآخر. وقبل الفراغ منه، تجدني أستعد وأتحدث عن القادم. لا أحفظ الأعمال التي قمت بها، ولا أتحدث عنها، لأنها فعل ماضٍ، الصحافة عززت عندي هذا السلوك، هي مهنة سريعة الإيقاع، لا نهاية لها ولا سقف لطموحاتها. هل منحتك اللهجة القصيمية حلَّ المعادلة الصعبة دائماً؟ - أنا سعودي، ولدت في حي الشميسي في الرياض. واللهجة القصيمية أخذتها عن أمي، وحل المعادلات الصعبة، كما تقول، مرهون بالإرادة لا بالمكان والأصل والفصل، مع كامل التقدير للإخوة والأخوات القصمان. مشوار الإعلام ماذا وجدت في الإعلام لتختاره مشوار حياة لك؟ - عشت طفولتي في بيئة تقرأ، ولها اهتمامات سياسية وثقافية، فضلاً عن الحب، أنا أحب العمل المعنوي حين أقرأ نصاً مبدعاً، أو أكتب قطعة جميلة، أشعر أني أغنى من سليمان الراجحي. كثرة المؤسسات الصحافية في حياتك، أليست توحي بمشاكستك؟ - العكس هو الصحيح، وكثرة المؤسسات دليل على طموحي، وبإمكانك القول إني إنسان واثق ومطلوب، فضلاً عن أني أترك المؤسسة التي أعمل فيها حين أشعر أن إمكانية تطوير دوري من خلال مهنيتي وموهبتي غير ممكن. لا أجيد كيد النساء، والحروب الصغيرة، الصحافة فروسية، وأنا أعمل بفروسية، فضلاً عن أنني أمتلك موهبة تغنيني عن الصبر على المكاره. هل تؤمن بالولاء للمؤسسة الصحافية؟ - في شكل مطلق، الولاء للمؤسسة أحد أهم ملامح المهنيين، وهو مثل الولاء للوطن. وأهم ملامح هذا الولاء أن تذكر فضلها عليك، ولا تفشي أسرارها، ولا تعيبها والعاملين فيها بعد تركها. مرحلة مجلة «اليمامة»، هل كانت أكمل الإيمان «الصحافي» وليست أضعفه بالنسبة إلى مشوارك الصحافي؟ - الأكيد أنها كذلك. مجلة «اليمامة» هي المدرسة الأولى التي تعلمت فيها صنعة الصحافة على يد محمد العجيان، أستاذي ومعلمي في هذه المهنة، فضلاً عن أني زاملت وتعلمت من كتاب وصحافيين وأدباء وشعراء مميزين، مثل سعد الحميدين، وفهد العرابي الحارثي، ومحمد علون، والراحل المبدع عبدالله نور، وعبدالله الصيخان، وعبدالكريم العودة، وأسعد شحادة، ومحمد بركات، ومحمد الحربي. وتعرفت على صحافيين عرب وأجانب في تلك المرحلة، وعملت مراسلاً صحافياً لأكبر وكالة أنباء في العالم هي «أسوشيتد برس» كأول مراسل لها في المملكة. نيران صديقة من يصدق أنك تركت «اليمامة» في عز حريتها، واتجهت إلى مجلة «الدعوة».. ما الذي دفعك إلى ذلك؟ - وصلت مجلة «الدعوة» بعد قرابة سبعة أعوام من رحيلي عن «اليمامة»، وبعض القضايا لم يحن الوقت لنشر تفاصيلها، لكن ذهابي إلى «الدعوة» ينطبق عليه تعبير «نيران صديقة». والقصة هي أن أحد المسؤولين، وهو محسوب على مجال الدعوة اتصل بي، وعرض عليّ قائمة بأسماء مرشحين لرئاسة تحرير مجلة «الدعوة». وطلب مني أن أزكي أحدهم، فوجدت أن جميعهم لا يصلح لهذه المهمة. كانت القائمة تضم دعاة، وأكاديميين، وشعراء. فسألني، إذاً من يصلح لرئاسة تحرير «الدعوة»، قلت له هذه المجلة في حاجة إلى صحافي ينقلها من مطبوعة تنقل نصوصاً دينية، إلى مجلة تصحفن المضمون الديني. وأضفت مازحاً، هي تريد صحافياً لا يقبل الشافعي شهادته، فضحك، وأطلق عليّ «النار»، وأرداني رئيساً لتحرير «الدعوة». لو عاد بك الزمن هل كنت ستختار مجلة «الدعوة» محطة في حياتك؟ - لا أدري. لكن التجربة، على رغم مرارتها، كانت مفيدة للمجلة، ولما يسمى الإعلام الإسلامي في السعودية. كيف رأيت القرب من المؤسسة الدينية إعلامياً، هل كان دخولك لها نقمة أم نعمة عليهم؟ - ثمة أشياء سأرويها لاحقاً إن كُتب لي عمر، لكن التجربة مفيدة لهم، واستفدت منها من الناحية المهنية، إضافة إلى تعرفي على رجال لهم علم وفضل. بعد «الدعوة» المحلية اتجهت إلى «المسلمون» الدولية، هل تغير الفضاء عليك كثيراً؟ - لم يتغير في الجملة، لكن الشركة التي تصدر «المسلمون» كانت أكثر مهنية من سابقتها، فضلاً عن أني كوّنت رأياً مهماً أسهم لاحقاً في إغلاق «المسلمون». أنا ضد صدور صحف إسلامية في المجتمعات الإسلامية، لأن وجودها تمييز مفتعل، وشركات الإعلان الكبرى لا تتعامل معها، لأن المعلن لا يفرق بين الناس على أساس ديني. جدالك مع سلمان العودة أيام «المسلمون»، أتراه ضرباً من خيال الآن؟ - لا. الجدل مع سلمان اليوم قضية عادية. وفي ذلك الوقت كان مثل أكل «لحوم مسمومة»، لكنه كان نبوءة متقدمة لما هو عليه سلمان الآن من كل النواحي. ما الشيء الذي تفخر بأنك قدمته للإعلام الإسلامي؟ - شرحت لبعض المعنيين والعاملين وطلاب الصحافة، الفرق بين ما يسمى الصحافة الإسلامية، والإعلام الديني. والصديق الدكتور فاروق أبوزيد، رئيس قسم الإعلام في جامعة القاهرة الأسبق، بسّط رؤيتي في هذا الموضوع في كتابه عن الصحافة المتخصصة، وكتبت عن هذا الموضوع مقالات نشرت في صحيفة «اليوم». «&» واللبنانيين محطة صحيفة «الحياة»، البعض يرى أنه كان بالإمكان أفضل مما كان؟ - صحيفة «الحياة» لا تزال بيتي، لم أتركها، وإنما أخذت إجازة من الكتابة فيها، وسأعود قريباً، وهي محطة مهمة في حياتي المهنية، فيها ملكت ناصية العمود الصحافي. وأصبحت على رأي الزميل غسان شربل، كاتباً معترفاً به. فقدمت. ودربت صحافيين سعوديين، وأسست مكتباً يقوم على دورة عمل مهنية، واقترحت وقتها، ملحقاً يعالج الشأن السعودي، لكن بعضهم رفض الفكرة، ولاحقاً صار الملحق طبعة كاملة. «الحياة» صحيفة دولية بامتياز، وما ينقل عنها في صحافة الغرب يساوي ما ينقل عن بقية الصحف العربية مجتمعة. كيف وجدت التعامل مع اللبنانيين؟ - اللبنانيون يعترفون بك إذا كنت صاحب مهنة، صحيح أنهم يشبهون المصريين في غرور الريادة، لكنهم صناع صحافة مهنية عالية الجودة وممتعة، نصهم صارم، ولغة الصحافيين المبدعين منهم، وهم كثر، تحاكي البلاغة في أجمل صورها، ونصوصهم توزن بميزان الذهب، يكرهون الإنشائية، ويفرقون بصرامة بين الرأي والخبر، ويحمون الأخبار من الألقاب، وينفرون من «العامية»، ويعرفون بدقة مكان الفواصل والنقط. لكن في الآونة الأخيرة، وبفعل الاصطفاف السياسي في لبنان، أصيب بعض صحفهم بحمى الدعاية، وصارت بعض أخبارها أشبه ببيانات سياسية. أيام فترتك في «الحياة» كان الحضور المحلي على استحياء، ما السبب؟ - لم يكن هذا توجه الصحيفة في ذلك الوقت، وثمة أسباب أخرى لم يحن الوقت لشرحها. دائماً خروجك يثير الأسئلة، ودائماً لا نجد أجوبة؟ - أولاً، لا أحب ادعاء البطولات الوهمية، ولا استعذاب دور الشهيد. ثانياً، أنا شديد الحرص على التمسك بالقيم المهنية في التعامل مع المؤسسات التي عملت وأعمل فيها. علاقات العمل مثل النسب، ارتباط مقدس، ومهما طال الارتباط، أو قصر يظل جزءاً من تاريخك وسمعتك، وعليك المحافظة على أسراره. والأمير سلطان بن عبدالعزيز - رحمه الله - سمع رأيي في «الحياة» بعد خروجي الموقت منها عام 2003، فوصفه بالموقف الأصيل. بين كل خروج ودخول، هل تحدث نفسك بالتوقف؟ - علاقتي مع الصحافة مثل علاقتي مع التدخين، إذا خرجت أحدث نفسي بعدم العودة، ثم أبطل وأرجع، ألم أقل لك إنه الحب، وإن شئت «الخرمة». شخصية الكاتب أليست تستحق أن تمنحها أكثر، لتبدع فيها أكثر؟ - في هذه معك حق، هذا ما يشغلني الآن. زوجتي، أم محمد، تلح علي بالعودة إلى الكتابة، وترك ما سواها. وبعض السياسيين والصحافيين العرب واللبنانيين، يهاتفني كلما تصاعدت الأحداث السياسية في المنطقة ويطالبني بعودة «أضعف الإيمان»، وآخر المحرضين على العودة الرئيس نجيب ميقاتي. وأنا في هذا الأمر بين «ويلي منك وويلي عليك». لكن على الأرجح أني سأعود، وأعتقد أن ذلك سيحدث بعد إجازة الصيف. زاويتك أطلت من خلال صحيفة «الرياض»، ثم وئدت، ما الحكاية؟ - لا، هي لم توأد، توقفت. بدأت مع «الرياض» بطلب من الصديق الأثير تركي السديري، وأشهد أن «الرياض» منحتني شهرة واسعة بين القراء. وبعد وقت، احتج الأمير خالد بن سلطان، كوني أعمل في «الحياة» ولا أكتب فيها، وطلب مني بدء الكتابة في «الحياة». ولهذا تركت «الرياض». وكان للأمير خالد بن سلطان الفضل الأول والأخير في انتشار اسمي على مستوى العالم العربي، وفي تطوري في كتابة التعليق السياسي، هو منحني مناخاً يتمناه أي كاتب، دافع عني أمام سياسيين ودول، وفي أحلك الأوقات وسأبقى أحفظ له هذا الموقف ما حييت. القيادات الصحافية متى يغضبك تركي السديري، ومتى تشفق على خالد المالك، ومتى كرهت عبدالرحمن الراشد، وكيف تعاملت مع نرجسية فهد الحارثي؟ - ادعي أنني أجيد التعامل مع تركي السديري، منذ كنت صحافياً مبتدئاً في مؤسسة اليمامة الصحافية. ولهذا لا أتيح مجالاً للغضب. أما خالد المالك فهو لا يستحق الشفقة. هو ملحاح ومقاتل في عمله، وناجح، مهما كان اختلافك معه. أما عبدالرحمن الراشد فهو صديق قديم. زاملته في «الشركة السعودية للأبحاث والنشر»، وعملنا معاً في «العربية» أربعة أعوام، وهو قبل هذا وبعده صديق عزيز. أما نرجسية فهد الحارثي فهي إحدى سماته، ومن يحب فهد يحبها معه، وعلى رغم ما يقال عنه فهو يحمل في داخله روح فنان، تخفيها بداوته، ولهجته الحارثية، أحياناً، لكنها تبقى مشعة. القيادات الصحافية الجديدة في صحافتنا، هل يعيشون حالاً أفضل منكم؟ - لا أدري، لكن الذي أراه وأسمعه، أن وضعهم لا يختلف في المبدأ عن حالنا، كلنا تسميه وإن شئت تخطبه وزارة الإعلام وتستدعيه، وتقول له، «لا ترم قشر الموز». وتتعامل معه كموظف عندها. مَنْ مِنَ الصحافيين فاجأك بروزه، ومن منهم خذلتك حساباتك تجاهه؟ - أفضل من أجاب عن سؤالك الراحل موسى صبري في رواية «دموع صاحبة الجلالة»، من خلال سرد حكاية شخصية الصحافي «محفوظ عجب». لكن مثلما أن هناك محفوظ عجب في الصحافة السعودية، هناك أيضاً صحافيون صادقون وموهوبون. لماذا أصبح التلفزيون يسرق الصحافيين من صحفهم؟ - لأن الصحف انحسر تأثيرها، ولم تعد تضمن للصحافيين دخلاً يوازي موهبتهم وتعبهم وقدرتهم على العطاء المتواصل. الصحافة الإلكترونية، هل تؤمن بها وتنتصر لها؟ - بكل تأكيد. قراء «العربية نت» اليوم أضعاف قراء الصحف السعودية مجتمعة. لماذا اتجهت إلى دبي تلفزيونياً، ورفضت القناة الأولى؟ - حكومة دبي دعتني، وقدرتني معنوياً ومادياً، وتعاملت معي على أني مكسب مهني لها، واستقبلتني برقي وكرم. أما القناة الأولى فلم تقدم لي عرضاً، وأعتقد أنها لم تفكر. أنا جلست بعد خروجي الموقت من «الحياة» عشرة أشهر في المنزل من دون عمل، حتى الصحف لم تتصل بي كي أكتب فيها. وكنت بعد خروجي من «اليمامة» اتخذت قراراً ألا أطلب العمل في الصحافة إلا إذا هي طلبت، فتكون الحاجة لها وليست لي، وهكذا كان. المدن الإعلامية، هل هي محرمة محلياً؟ - لا ليست محرمة، بل إن من يفكر الآن في صنع مدينة إعلامية في المملكة ويقدم فيها تسهيلات لمحطات التلفزيون العربية والعالمية سيحقق أرباحاً مهمة، لكن هناك وهم أن الإعلام السعودي لا ينجح إلا إذا سافر. عاصرت الرقيب في كل الاتجاهات، ما هي شهادتك عليه؟ - الرقيب مثل الطفل إذا أغمض عينيه يعتقد أن الآخرين لا يرونه. صالح العزاز، ألا يستحق أن تعمل لأجله شيئاً؟ - صالح العزاز مثل حصان بري شارد، لكنه حين أسرج مات. قليلون، وأنا أولهم، من يستطيعون أن يكتبوا عن صالح، وهو - رحمه الله - أدرك هذا فكتب نفسه صوراً ومقالات جميلة. صالح يذكرني بالصديق الراحل جلال كشك، الذي نعى نفسه قبل موته بأشهر لأنه أدرك أنه لا أحد سيكتب عنه كما يجب. مرحلة «العربية نت»، هل هي آخر المشوار، أم لا تزال في العمر محطات أخرى؟ - استقلت من رئاسة تحرير «العربية نت» لأني لم أعد قادراً على الجمع بينها وبين برنامج «الثامنة». لكن مادام عقلي يفكر فسأبقى ألوّح للناس والكلمات. الجامعة والإعلام درّست طلبة الجامعة مواد صحافية ولست ممن حصل على درجة الدكتوراه! كيف يصح هذا عند من يعتد بمتطلبات الاعتماد الأكاديمي؟ - هذا النهج يحسب للصديق الدكتور عبدالقادر طاش رحمه الله، فهو رائده، وهو من أقنع جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بأن الصحافة يدرسها أهل المهنة، ولهذا فجامعة «الإمام» صاحبة ريادة في هذا الأمر، وكنت أول مهني يقف محاضراً على طلبة الجامعة. وقمت بتدريس مادة التقرير والتحقيق الصحافيين. واليوم معظم الجامعات العربية تفعل ذلك، وفي كلية محمد بن راشد للإعلام، في الجامعة الأميركية في دبي، التي شرفتني بعضوية مجلس إدارتها، استطاع الصديق علي جابر أن يجعل تدريس المناهج قائماً على المهنيين وأصحاب الخبرة، وهي تجربة فريدة وناجحة. بِمَ تصف نفسك.. صحافي يمارس التلفزة، أم إعلامي يتقن فن العلاقات؟ - جلافة البدوي حالت بيني وبين القدرة على العلاقات الواسعة، لكن مهنتي الصحافية هي التي أوصلتني إلى الشاشة. في برنامجك «الثامنة» هل تعرض صعوبات الحياة اليومية للمواطن، ليسير بعدها المتجاوز والمفسد بكل سهولة بعد هذا العرض المخدّر؟! - هذا كلام غير صحيح، الإعلام ليس سلطة تنفيذية ولن يكون. الإعلام يزرع قناعات، ويغير أخرى، ويشكك في قناعات راسخة، وهو في المحصلة يطرح الأسئلة ويثير النقاش، وهذا ما نفعله أنا والزملاء في برنامج «الثامنة» على قناة «إم بي سي». نشأت في مجتمع مخملي، فمن أين تأتي بحماستك وحرقتك لمؤازرة خيبات المواطن البسيط؟ - من قال لك إني نشأت في مجتمع مخملي؟ والدي - رحمه الله - توفي وهو مأمور مستودع في بلدية الرياض. وعمي الذي رباني مدقق حسابات في الإدارة المالية في البلدية. عشت مع أواسط الناس، و«الأجواد» جل عمري، وكنت في الأعياد ألبس ثياباً «مرددة»، ولهذا أشعر بالناس كما يجب، لأني عشت معهم ومثلهم. برنامج «الثامنة» في برنامجك الكبير «الثامنة»، كيف زاوجت بين تقاليد المجتمع وذائقته، وبين تقاليد اللعبة وأصول المهنة، فاستضفت نساء في غالب حلقاتك، على رغم حرب الاختلاط حولنا؟! - هذا الذي قلته هو سر نجاح البرنامج، تلفزت الناس فشاهدني الناس، نستضيف العاديين من الناس، ونتحدث مع النساء مثلما كان جدي ووالدي يتحدثان مع النساء. حين كنت صغيراً كانت الأسر تجلس مجتمعة النساء مع الرجال، من تتغطى تتغطى، والتي لا يوجد إلا محارمها تجلس كاشفة، يتسامرون ويتحدثون ويضحكون وأحياناً «يذبون على بعض»، لكن جاءت الصحوة، وشككتنا في بعضنا. توارت السماحة، وغاب الورع. لماذا تمنح أسئلة مفتوحة لضيوفك وتتقبل إجابات مغلقة؟ - لا أقبل في البرنامج إجابات مراوغة، إلا إذا عجزت عن استنطاق الضيف. وفي النهاية أنا لست محققاً جنائياً، بل صحافي يجيد فن الممكن. يصر البعض على أن برنامجك «الثامنة» مشروع حكومي للتنفيس ليس أكثر، وصناعة احترافية لسحب غضب يتكاثر حوالينا؟ - بعضهم أعطاني رتبة لواء في الاستخبارات السعودية، هذا الكلام يقوله البعض، إما أهل مهنة يزعجهم نجاح البرنامج، وإما أعداء للمناخ الحر الذي تعيشه البلاد، فضلاً عن أن من يقول ذلك يجهل دور الإعلام، دوري هو طرح سؤال، وترك البحث عن إجابة لمن يعنيهم الأمر. بعد حلقة مستشفى عرقة، هل آمنت أن «الثامنة» يستطيع إثارة الفوضى وأنك زعيم غير متوج؟ - لم أقدم حلقة عن مستشفى عرقة أصلاً. وبرنامج «الثامنة» لا يثير الفوضى، ولا يحرض عليها. هو يبدد الإشاعات، ويطرح المعلومات والآراء، وينير الرأي العام، ويمنح الآخرين حق المشاركة والتعيير، بإمكانك أن تسميه «إعلاماً تنموياً»! سياسة الأمير لميكافيلي يصفك كل من عمل معك بأنك زوبعة خلافات؛ تفرّق بين الموظف وسعة باله لتفوز أنت بنتاج صحافي، على رغم أنك كاتب لا يقيم عموداً واحداً! فهل تتبع سياسة الأمير لميكافيلي؟ - لا أحب الميكافيلية. والغاية عندي لا تبرر الوسائل. أتعامل مع الزملاء بفروسية الرجال، ونقاء بدو الصحراء، صحيح أنني أستفز من يعمل معي، لكن بالمعنى الإيجابي للكلمة، حاد الطبع في العمل صحيح، شحيح الرضا من أول مرة، لكن لا أخلط بين الخاص والعام، والجاد المحب لمهنته من الزملاء بات يعرف أن داود الشريان «يلج»، وأحياناً يزيدها ب«الهوش»، لكن لا يذهب بعيداً، وكريم إذا لزم الأمر. خالفت النظرية السعودية لكل صحافي، وهي التخرج أولاً من عباءة البوابة الرياضية، ناهيك عن تقلدك المنصب الأشد لمعاناً، بدءاً من «اليمامة» مروراً ب«الدعوة»، و«المسلمون»، واستقراراً في «الحياة»، ما هو سر مفتاح معبد الصحافة لديك؟ - لم أتقلد مناصب، التقيت برجال يفهمون، وجدوا صنائعياً حاذقاً، يحب عمله بإفراط، فسلموني مفاتيح «الدكان»، والمثل يقول «ومن ورد الماء برجال شرب». هجومك الحاد على الرقيب والوزير لا نرى له أية عقوبات، خلافاً لإيقافات عدة تطاول غيرك، من ذا يحمل لك مظلة الإخفاء؟ - أولاً الدنيا تغيرت، فضلاً عن أن الأعمال بالنيات، وبعضهم بات يعرف من أنا على وجه الحقيقة. في الماضي دفعت أثماناً باهظة، وأوقفت عن الكتابة، وأبعدت عن مواقع، وخرجت من الصحافة غير مرة، لكني رجل أعذر الآن من فعل ذلك، لمعرفتي أن كل شيء في وقته، فضلاً عن أنني لا أستعذب دور الشهيد، وأحب اللعب في ساحة الممكن. ولهذا استطعت أن أتجاوز الحواجز، وصبرت على التجاهل وسوء الظن، حتى وصلت إلى الناس وكسبت ثقتهم. عمودك الصحافي «أضعف الإيمان» في «الحياة» نال شهرة عربية أكثر منها سعودية. فهل زامر الحي لا يطرب؟ - مضمون العمود له دخل في هذا الذي تقول، وسمعة العمود عربياً كانت تستحق هذا الثمن. لماذا إصرارك على لهجتك المحلية القصيمية في فضاء مفتوح.. لماذا أنت بعيد عن اللهجة البيضاء في البث العالي الدقة؟ - أنا أطبق مبدأ «كن كما أنت»، ولا أقلد أحداً، ولهذا أتكلم بالطريقة التي يراها الناس، أتحدث في الأستوديو مثلما أتحدث خارجه. سقفك الرقابي عالٍ جداً إلا في ما يخص الأخت الإعلامية الكبرى «إم بي سي».. فثمة برامج تنتهك خصوصية المجتمع السعودي، لكن لا تتم مناقشتها على المحطة ذاتها.. فأين غيرتك هنا وخوفك على المجتمع؟ - هذه وجهة نظر أحترمها، لكنها غير صحيحة. وإذا لزم الأمر في برنامجي وجاء نقاش قضية، والمحطة طرف فيها فثق أنني لن أوفرها، وستستغرب أن هناك في المحطة من يؤمن بهذا المبدأ، وإن كنا جميعاً نتمنى ألا يحدث ذلك. فوزك بالجوائز، هل يضيف لك شيئاً. هل تشعر أنك تجاوزتها أم لا تزال تفرح بها؟ - لم أسأل عنها طوال حياتي، ولا كانت تعنيني. أول تكريم نلته كان في «إثنينية» عبدالمقصود خوجة قبل عامين. أفرح بها إذا كانت لها قيمة معنوية. على رغم أني لا أعمل من أجل التكريم. التكريم الأهم هو رضا الله، ثم حب الناس. ماذا يعني كونك من أكثر عشر شخصيات ذات تأثير في المشهد الاجتماعي؟ - يعني أني كنت على حق طوال مشواري المهني. يعني الرغيف الذي أخبزه يحبه الناس.