في ذروة القلق الإسرائيلي من احتمالات تعرض اسرائيل لرد سوري انتقامي على ضربة عسكرية اميركية وانضمام «حزب الله» الى الضربة، أقحمت الأجهزة الأمنية الجيش المصري في اجندة أبحاثها وراحت تقلل من اخطار سورية و «حزب الله» ونشرت ما سمّتها خريطة الأخطار التي تهددها في منطقة الشرق الاوسط. وحرص الامنيون الاسرائيليون الذين شاركوا في مؤتمر في هرتسليا، لبحث التطورات الامنية في المنطقة، على إثارة ملف الجيش المصري، واعتبار ان العمليات التي ينفذها في سيناء تعكس قدراته العسكرية والأمنية ووصفوها ب «المثيرة للإعجاب» وقالوا: «هذه هي المرة الأولى التي نرى فيها التصرف الحازم من الجانب المصري ضد الجماعات المسلحة في سيناء. وبغض النظر عن المصالح الإسرائيلية حول ذلك، فإن المصريين يدركون اليوم، اكثر من أي وقت مضى ان حركة حماس المسيطرة على قطاع غزة منذ عام 2007 تشكل خطراً كبيراً على الأمن القومي المصري ونحن سعداء بهذا الردع». لكن ما يجعل اسرائيل تتنفس الصعداء ما خلص اليه خبراء عسكريون في تلخيصهم للأوضاع الامنية المحيطة بإسرائيل في المنطقة، مع انتهاء السنة العبرية، ان «الربيع العربي» الذي عصف بالمنطقة لم يبق أي جيش عربي نظامي يهدد اسرائيل وقادر على مواجهتها، سوى الجيش المصري الذي اثبت قدراته منذ عزله الرئيس محمد مرسي. وبموجب هذا الاستخلاص، تكون خريطة الأخطار المحدقة بإسرائيل تعدلت مع بداية السنة العبرية. ففي حين انخفضت احتمالات اندلاع حرب بين جيوش نظامية، من الدول العربية المجاورة، وبين الجيش الإسرائيلي، في شكل حاد، ارتفع عدد التنظيمات «الإرهابية» في الدول المجاورة باستمرار، كما تحسنت في شكل كبير القدرات القتالية لهذه التنظيمات القتالية وتحسن عتادها العسكري ووسائلها القتالية. وعلى ضوء هذه التغييرات، تستخلص الاجهزة الامنية ان هناك حاجة لإجراء تعديلات تتلاءم والتغيرات الجديدة، بخاصة على صعيد بناء القوة العسكرية والتدريبات لمواجهة تهديدات لم يُعد جنود الجيش الإسرائيلي لها، الى جانب الاستخبارات والتكنولوجيا. اما الخريطة التي تضعها اسرائيل للأخطار المحدقة بها فجاءت على النحو الآتي: الجيش المصري ومنطقة سيناء بموجب ما تضمن تقويم اسرائيل للجيش المصري، فإنه الوحيد، في المنطقة، القادر على مواجهة الجيش الإسرائيلي في ميادين القتال. ويقول معدّو هذه التقديرات ان على رغم الهزات السياسية التي تعصف بمصر في العامين الماضيين، فقد حرصت الجهات الأمنية في إسرائيل ومصر على توضيح أن العلاقات بين الجيشين جيدة، وأن الدولتين تعملان من خلال مصالح متشابهة في محاربة منظمات الإرهاب. ويقوّم الاسرائيليون الجيش المصري بالقول انه كان دائماً يشكل تهديداً حقيقياً لإسرائيل. وبعد اتفاقيات السلام مع مصر، ترك الجيش المصري عقيدة القتال السوفياتية وتبنى أسلوب القتال الغربي المتطور وذلك بفضل المساعدات الأميركية في الأساس. لكن اليوم تغير الوضع مع تجميد المساعدات الاميركية في اعقاب الاحداث التي شهدتها مصر بعد عزل مرسي. وهو قرار عزز قوة الأصوات الداعية الى إلغاء اتفاق السلام مع إسرائيل. ويكمن القلق الاسرائيلي اذا ما تحقق السيناريو الذي يتوقع فيه الاسرائيليون ان تؤدي خطوة كهذه الى إلغاء اتفاقية السلام عندها يصبح التخوف من أن توجه بنادق الجيش المصري إلى إسرائيل حقيقياً... وبما انه القوة الاكبر القادرة على مواجهة اسرائيل، فإن الجيش الاسرائيلي سيجد نفسه امام تحدٍ جديد لم يعتد عليه خلال السنوات الماضية. اما سيناء، فهذه ايضاً تتربع على رأس خريطة الأخطار. فاليوم وبعد ان استقرت فيها التنظيمات الجهادية مع غياب السيطرة الامنية على هذه المنطقة المحاذية لإسرائيل جنوباً، تتحدث تقارير الاستخبارات الاسرائيلية عن تحويل هذه المنطقة الى وكر للإرهابيين وسوق غني بالاسلحة والوسائل القتالية المتطورة، التي تدفقت اليها من مختلف الدول، بخاصة ليبيا بعد سقوط نظام معمر القذافي. وتقود التنظيمات الجهادية حرباً متواصلة ضد الجيش المصري، ما يكسبها المزيد من الخبرة والمهارات في زرع العبوات الناسفة، والتدرب على مختلف أنواع الأسلحة النارية، وإطلاق صواريخ ال«غراد». في المقابل، استغل كبار الناشطين في حماس، الذين سبق أن تدربوا في إيران، صناعة الأنفاق لنقل الأسلحة والخبرة العسكرية إلى سيناء، ما زاد التعاون والتنسيق بين الطرفين. إيران على رغم الارتياح الذي ابدته جهات عالمية مختلفة لفوز حسن روحاني وإبعاد احمدي نجاد عن ادارة الحكم، على امل ان تغير طهران توجهها العسكري الذي قاده نجاد خلال فترة حكمه، إلا ان اسرائيل تمسكت بموقفها وحسمت ان ايران تحت قيادة روحاني تواصل دعم «محور الشر»، وهذا يشمل سورية و «حزب الله». وعلى رغم الانشغال الاسرائيلي بالضربة على سورية، إلا ان المشروع النووي الايراني اخذ مكانة كبيرة في نقاش الاسرائيليين لهذه الضربة، اذ اعتبر الاسرائيليون ان تأجيل الضربة الاميركية هو تشجيع لإيران، خصوصاً ان هناك شعوراً عاماً بأن الأميركيين، وباقي العالم، لن يسارعوا للتدخل عسكرياً، وأن من شأن ذلك تمكين إيران من إتمام صنع القنبلة الذرية وتجاوز الخطوط الحمر التي وضعها رئيس الحكومة الاسرائيلية، بنيامين نتانياهو. لبنان «حزب الله» هو العدو الاكبر والأوضح لإسرائيل، كما يقول معدّو خريطة الأخطار ويقولون: «حزب الله يواجه اليوم، وللمرة الأولى منذ تأسيسه، نزيفاً داخلياً». فمشاركة الحزب في الحرب الدائرة في سورية عرّضته لانتقادات شديدة، وتحققت تهديدات الحكم في لبنان بأن العنف في سورية سيمتد إلى لبنان. لقد تلقى الحزب الضربات الأكثر إيلاماً في الحرب في سورية. وإضافة إلى من فقدهم في ميادين القتال في سورية – سواء على صعيد القادة الكبار أم على الصعيد المعنوي والنفسي - فقد تلقى الحزب ضربة في جبهته الداخلية. إذ نفذت في الأشهر الأخيرة، ثلاث عمليات كبيرة في الضاحية - معقل «حزب الله»، وأُصيب المئات في الحي المحسوب على «حزب الله»، وساهم ذلك في رسم الصورة التي خشيها نصر الله وهي أن تنظيمه ليس محصناً. وإذا كان «حزب الله» يخوض الآن معاركه الداخلية، إلا أن هناك تزايداً في عدد التنظيمات الإرهابية في لبنان وسهولة الوصول الى السلاح والوسائل القتالية مثل الصواريخ البعيدة المدى التي من شأنها أن تنفجر في إسرائيل في نهاية المطاف. ناهيك بأن مشاركة عناصر الحزب في القتال في سورية تعيد اليهم لياقتهم العسكرية. سورية على رغم الوضع اليوم، وفي ظل ضبابية العملية العسكرية التي تتحدث عنها الولاياتالمتحدة، إلا ان اسرائيل تواصل التعامل مع سورية، وفق وضعيتها الحالية. وفيما كانت بالنسبة الى اسرائيل، حتى قبل سنين خلت صاحبة التهديد الأكبر، باتت بالنسبة الى تل ابيب اليوم تلك الدولة الممزقة والنازفة. ولإظهار ضعف الدولة، تبرز اسرائيل في تقريرها حول سورية عمليات القتل التي يتعرض لها السوريون، وتقول: «بشار الأسد يقاتل منذ عامين أبناء شعبه، وقوات أخرى جُلبت من الخارج للانضمام الى المقاتلين. وقد انتشرت قوات «جبهة النصرة» وتمركزت على الحدود السورية –الإسرائيلية. وهي منظمة سُنّية متشددة تدعو الى الجهاد وتمارسه، ومحسوبة على تنظيم «القاعدة». لكن يوضح الاسرائيليون انه على رغم ان القاعدة وجبهة النصرة مصرتان على إسقاط الاسد، إلا ان نشطاء التنظيمين لا يرغبون البقاء مكتوفين، وهو ما يجعل، ليس فقط الاستخبارات الاسرائيلية انما استخبارات الغرب ايضاً، مقتنعة بأنه سواء انتصر الأسد أم لا، فإن هذه التنظيمات تشكل تهديداً جاداً لأمن إسرائيل. ويقول الخبراء إن سورية ليست الوحيدة في هذه الناحية، فالشرق الأوسط مصبوغ اليوم بنقاط توجد فيها مثل هذه التنظيمات. وتشكل مصر وسورية ولبنان واليمن وغزة والعراق المراكز الأساسية لوجود هذه التنظيمات اليوم. كما أن «الجهاد العالمي» يقوى باستمرار في الوقت الذي تقع فيه إسرائيل في ساحته الخلفية، بل وعلى أرض يعتبرونها إسلامية.