بدأت جماعات يهودية متطرفة أمس سلسلة اقتحامات لساحات المسجد الأقصى المبارك لإقامة احتفالات في ما يسمى «رأس السنة العبرية»، الأمر الذي أثار احتجاجات واسعة قادت إلى مواجهات بين المواطنين والجنود الإسرائيليين على مداخل المسجد. وقال شهود من داخل الأقصى إن عشرات المستوطنين اقتحموا المسجد في مجموعات صغيرة تحرسها الشرطة الإسرائيلية، فتصدى لهم المصلون والمواطنون، ودارت مواجهات اقتحمت خلالها الشرطة الإسرائيلية المسجد من جهة باب المغاربة لملاحقة المصلين الذين رشقوا المقتحمين بالحجارة. واحتجزت الشرطة الإسرائيلية المئات من أهالي القدس، من بينهم شخصيات وطنية وإسلامية تداعت إلى المسجد لحمايته، ومن بين الشخصيات التي احتجزت في باب حطة المفتي العام للقدس والديار الفلسطينية، رئيس مجلس الإفتاء الأعلى الشيخ محمد حسين. وقال المدير العام لدائرة الأوقاف الإسلامية في القدس الشيخ عزام الخطيب التميمي إن الأوقاف طلبت من السلطات الإسرائيلية إغلاق باب المغاربة أمام المستوطنين الذين أعلنوا صراحة نيتهم اقتحام المسجد، لكنها رفضت الاستجابة. وأعلنت الجماعات اليهودية المتطرفة برنامجاً لاقتحام المسجد في الأيام المقبلة التي تشهد الاحتفالات بالأعياد الدينية اليهودية. وأعرب الناطق باسم الحكومة الفلسطينية إيهاب بسيسو عن إدانة الحكومة للإجراءات الإسرائيلية التصعيدية في المسجد الأقصى المبارك، وقال: «إن حرية العبادة والوصول إلى الأماكن المقدسة حق إنساني كفلته المواثيق والمعاهدات الدولية». وأضاف: «الانتهاكات الإسرائيلية المستمرة بحق أبناء شعبنا تمثل جزءاً من سياسة الاحتلال الهادفة إلى عزل مدينة القدسالمحتلة وتهويدها وتفريغها من أهلها المقدسيين». وطالب منظمة المؤتمر الإسلامي ووزراء الأوقاف ورعاة الكنائس والأبرشيات في الوطن العربي دعم صمود سكان المدينة المقدسة. وشجبت دار الإفتاء في بيان هذه الإجراءات الإسرائيلية، وناشدت المصلين من أهل القدس وأراضي عام 1948، وكل من يستطيع الوصول إلى المسجد الأقصى «تكثيف شد الرحال إليه»، مطالبة المجتمع الدولي بالضغط على إسرائيل لوقف القيود التي تحول دون وصول المصلين إليه. كما دعت الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي والزعماء العرب والمسلمين وقادة العالم المبادرة إلى عمل جاد تجاه الاعتداءات الإسرائيلية على المقدسات الفلسطينية والسماح لأصحابها بممارسة شعائرهم وعباداتهم بحرية. ودعا رئيس المحكمة العليا الشرعية رئيس المجلس الأعلى للقضاء الشرعي الشيخ يوسف ادعيس في بيان له أبناء مدينة القدس والأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1948 التوجه إلى المسجد الأقصى لفك الحصار عن المرابطين الذين احتجزتهم قوات الاحتلال الإسرائيلي داخل المسجد بعد إغلاق أبوابه بالسلاسل. وقال «إن دولة الاحتلال تحاول استغلال الظروف الإقليمية التي تمر بها المنطقة، معتبرة أنها اللحظة المناسبة للانقضاض على المقدسات الإسلامية والمسيحية، خصوصاً المسجد الأقصى المبارك، لمحاولة فرض سياسة أمر واقع للوصول إلى الهدف المنشود، وهو تقسيم الأقصى، على غرار الحرم الإبراهيمي تمهيداً لهدمه وإقامة الهيكل المزعوم مكانه». وحذرت الهيئة الإسلامية المسيحية لنصرة القدس والمقدسات من مواصلة السياسة الإسرائيلية القائمة على المس بحرمة المسجد المبارك والاعتداء على المصلين وطلاب العلم داخله، منددة باستمرار الاقتحامات اليومية الاستفزازية لباحات المسجد وتأدية الطقوس والرقصات التلمودية. ودعا الأمين العام للهيئة حنا عيسى المواطنين المقدسيين وكل من يستطيع الوصول إلى مدينة القدسالمحتلة التوجه إلى المسجد الأقصى «لحمايته من اعتداءات جنود الاحتلال وغطرسة مستوطنيه». وحذر عضو اللجنة التنفيذية في منظمة التحرير الفلسطينية، رئيس دائرة شؤون القدس أحمد قريع (أبو علاء) من «توالي الهجمات الشرسة التي تقوم بها قطعان المستوطنين بحماية سلطات الاحتلال الإسرائيلية على المسجد الأقصى». ودعا قريع منظمة التعاون الإسلامي إلى مناقشة الأوضاع الخطيرة والمتفجرة في المدينة المقدسة، وفي المسجد الأقصى خاصة، وقال: «الاحتلال الإسرائيلي مستمر بتصعيد عدوانه وانتهاكاته، ودعوة المؤسسات العربية والإسلامية والدولية ومجلس الأمن للوقوف على هذه الانتهاكات ومخاطرها على عملية السلام والأمن والاستقرار في المنطقة». تظاهرة في غزة تنديداً باقتحام الأقصى ندد مئات الفلسطينيين من قطاع غزة أمس بمحاولات مستوطنين متطرفين اقتحام المسجد الأقصى المبارك تحت حماية قوات الاحتلال الإسرائيلي، وعبروا خلال مسيرة احتجاجية عن تضامنهم مع الأقصى ومدينة القدسالمحتلة، واستنكروا محاولات اقتحامه. وانطلقت المسيرة التي نظمتها القوى الوطنية والإسلامية أمس من حديقة الجندي المجهول وسط مدينة غزة، وصولاً إلى مقر مبعوث الأمين العام للأمم المتحدة لعملية السلام في الشرق الأوسط. وردد المتظاهرون هتافات «عالقدس رايحين شهداء بالملايين»، ورفعوا أعلام فلسطين وصوراً للمسجد الأقصى كُتب عليها «الأقصى في خطر»، و «المقاومة الطريق الوحيد لتحرير الأقصى». وقال مسؤول ملف القدس في المجلس التشريعي، النائب عن حركة «حماس» أحمد أبو حلبية إن الأقصى وقف إسلامي لا يجوز الاعتداء عليه، محملاً الاحتلال الإسرائيلي تداعيات تدنيس باحات المسجد والاعتداء على المرابطين في داخله. ودعا الأمة العربية والإسلامية والجامعة العربية إلى الوقوف عند مسؤولياتها لحماية المسجد الأقصى المبارك ولجم الاحتلال. كما طالب المؤسسات الحقوقية والدولية بمتابعة الاعتداء الإسرائيلي على الأقصى ووقف المستوطنين عن الاستمرار في الاعتداء عليه وعلى المقدسيين. إطلاق رائد صلاح في هذه الأثناء، أطلقت الشرطة الإسرائيلية بشروط أمس القيادي الإسلامي الفلسطيني داخل إسرائيل الشيخ رائد صلاح الذي تتهمه الشرطة بالتحريض على الدولة العبرية. وقالت الناطقة باسم الشرطة لوبا السمري لوكالة «فرانس برس»: «تم اليوم الإفراج عن الشيخ رائد صلاح رئيس الحركة الإسلامية قبل عرضه أمام محكمة الصلح بعد أن امتثل لشروط إطلاقه، والتي شملت الإبعاد عن مدينة القدس لمسافة 30 كيلومتراً لمدة 180 يوماً ودفع كفالة ضمان مادية نقدية مستردة بقيمة 50 ألف شيكل (نحو 14 ألف دولار)». وتابعت الناطقة: «إن الشرطة الإسرائيلية أوقفت أمس الثلثاء الشيخ رائد صلاح قبل توجهه إلى القدس، وجرى اعتقاله بتهمة التحريض ضد دولة إسرائيل، إذ إنه ألقى مسؤولية إحراق المسجد الأقصى عام 1968 على دولة إسرائيل، كما قال إن الاحتلال الإسرائيلي يعمل وينشط لإحراق العالم العربي الإسلامي وإحراق مصر». ورفض الشيخ رائد صلاح الثلثاء الشروط المقيدة التي أملتها عليه محكمة الصلح كشرط لإطلاق سراحه، لكنه قبل بها أمس بحسب الشرطة. وكان الشيخ صلاح في طريقه إلى القدس لعقد مؤتمر صحافي في المسجد الأقصى أول من أمس عند اعتقاله. ويتزعم الشيخ رائد صلاح التيار المتشدد في الحركة الإسلامية في إسرائيل، وهذه ليست المرة الأولى التي يواجه فيها مشاكل مع السلطات. ففي عام 2011، اعتقل عند جسر الملك حسين بين إسرائيل والأردن بعد اتهامه بضرب أحد المحققين عندما أراد استجواب زوجته. وفي العام الذي سبق ذلك، أمضى خمسة أشهر في السجن لبصقه على شرطي إسرائيلي. كما اعتقل عندما شارك في مجموعة السفن التي كانت متوجهة إلى قطاع غزة حاملة المساعدات والتي اعترضتها واقتحمتها القوات الإسرائيلية في 31 أيار (مايو) عام 2010 في عملية أدت إلى مقتل تسعة ناشطين أتراك. ووصف ناطق باسم الحركة الإسلامية اعتقال صلاح بأنه «خطوة فاشلة» تقوم بها إسرائيل «لإبعاد من يحبون المسجد الأقصى حتى يتمكن اليهود من الاستيلاء عليه وبناء الهيكل».