بدأ صديق الشعوب وعرابهم الفكري السيد «ريموت كنترول» يقرأ أصالة الجحود والنكران والنسيان في تركيب العنصر البشري مع أول غمزة عين من «iphone4» وتوابعه من صبايا الهواتف الذكية المقترنة بعوالم «الإنترنت»، لم تعد بطاريات «الريموت كنترول» موجودة في قائمة مشترياتنا الشهرية. يدل نسيان شراء بطاريات «ريموت كنترول» على تغيير كبير في مصادر التلقي حالياً، ونتائج ذات اختلاف شاسع في مُخرجات التلقي لاحقاً، باختصار لن يكون الجيل المقبل امتداداً لهذا الجيل، سنكرر ذات القفزة بين الأجيال، فخطواتنا الحضارية في السعودية تنتمي إلى أسلوب «الكنغرية»، حال من «التنطيط» الحضاري. كانت أسرتي وأنا قبل أعوام قليلة، نعتمد على جهاز تلفاز «أبيض - أسود»، يستمد طاقته من بطارية سيارة، إذ لا كهرباء في دارنا أو قريتنا، وكانت كلفة إعادة شحن البطارية 30 ريالاً، لا تغنينا سبعة أيام، وهي كلفة تفوق مصاريف المدرسة أو شراء ثوب جديد. وبالتالي، بالغنا في سياسة المفاضلة بين البرامج، لدرجة شطب نشرات الأخبار كنوع من التقشف الحامي لطاقة البطارية. كانت الحلول شحيحة، منها الاكتفاء ببرنامج الحياة الفطرية من أجل أمي وجاراتها، والمصارعة الحرة من أجل أبي وجيرانه، وأفلام الكرتون من أجل الأطفال، وحينها كنا نستمتع بمسمى «البزارين»، لكن ثمة وجبتين مشتركتين لكل أفراد العائلة والجيران، هما مسلسل بدوي قبل أو بعد صلاة المغرب بحسب توقيت الرياض، ومسلسل آخر بعد نشرة أخبار الساعة التاسعة مساء. كان التلفاز أستاذاً، ونحن تلاميذ غارقون في بحر من التركيز، كل مشاهدات تلك الحقبة محفورة ومؤثرة في تلافيف الذاكرة، وربما كانت سبباً مباشراً في تقرير خيارات مهنية وأكاديمية وكذلك قناعات، كانت الحكاية الدرامية تكاد تكون في جزء من قريتنا، ننام وفي عيوننا بعض من دموع المسلسل، ندعي للضعفاء منهم في صلاتنا، وعلى القساة في سجودنا، لم يكُ تلفازاً، كان مخلوقاً سحرياً ينقلنا جسداً وروحاً إلى حيث يكون محتواه. صعد إلى السماء «عرب سات»، وهبط على الأرض «ريموت كنترول»، باتت أمي تجلس وحيدة أمام شاشة ملونة، بعد أن أصبح بيد كل واحدة من صويحباتها «ريموت» خاصتها، لم تعد للبرية حياة، ولم يعد للتلفاز تلاميذ، واكتشف أبي أن المعلق السعودي العتيق عبدالرحمن الراشد يجسد 99 في المئة من أهمية حلقات المصارعة الحرة التي باتت «سامجة» من دونه، كما أدركنا نحن معشر «البزارين» أن «عدنان ولينا» و«الرجل الحديدي» و«قرانديزر» ليسوا الأكثر بطولة أو مغامرة على الكرة الأرضية أو في الكواكب. استمر تلفازا «عرب سات» و«نايل سات» في تحقيق مشاهدات عالية جداً، فبات ضوء شاشات التلفاز يغطي الوطن العربي أكثر من ضوء الشمس، لكنها ضبابية ضعيفة التأثير، لا تحقق اندماجاً بسبب رداءة المحتوى أو سهولة الضغط على خشم «الريموت كنترول»، ثم فجأة وبقوة عاد التركيز وصارت المسافة بين العيون والشاشة قصيرة جداً، وبين الشاشة والعقل أقصر، لدرجة أنها تكفي لعزل المتلقي عن بقية العالم، «تركيز قوي»، و«عزل قوي»، كما يحدث في عدسات التصوير السينمائي، ولم يعد التلفاز 50 كيلوغراماً من الحديد والزجاج المنصوب على الطاولة بل أصبح رقيقاً يسكن اليد والحضن للكبير والطفل. وبالتالي، ربما يعود دمع التعاطف مع «الدراما» للعيون وكذلك الدعاء، الآن فقط أستطيع الرهان حول قدرة «الدراما» على إحداث تأثير إذا أتت من باب الهواتف والأجهزة الذكية. [email protected] @jeddah9000