لم تكن الخصوصيات الموسيقية في العالم متقاربة يوماً كما كانت في القرن العشرين، فمع بداية ثورة الاتصالات وتخلي الموسيقيين عن تمسكهم المُلح باللون الوطني، بدأت الخصوصيات الموسيقية بالامتزاج، ودخلت إلى الموسيقى الكلاسيكية الغربية تأثيرات شرقية واضحة كانت المؤشر الأول لبداية أهم مراحل الاستشراق الموسيقي في التاريخ.هذه الأفكار طرحتها حفلة موسيقية بعنوان «الشرق في الموسيقى الروسية» قدمتها الفنانة كسينيا ريابيفا، في المركز الروسي للعلوم والثقافة في الإسكندرية. تضمن برنامج الحفلة مقطوعات لموسيقيين روس كلاسيكيين ظهر فيها تأثير الشرق ومنها سيمفونية «شهرزاد» لريمسكي كورساكوف، التي أبدعت كسينيا في عزف تيمتها الرئيسة ونالت إعجاب المستمعين. والسيمفونية هذه عمل موسيقي موازٍ لتفاصيل أسطورة «ألف ليلة وليلة» التي تحكي قصة الملك شهريار، الذي يعلم بخيانة زوجته فيأمر بقطع رأسها حتى يتزوج شهرزاد لتظل تحكي «ألف ليلة وليلة»، وما أعان كورساكوف على خلق هذه الأجواء الشرقية الساحرة في سيمفونيته، رحلاته البحرية في السواحل الشمالية لأفريقيا وكذلك قراءاته لألف ليلة. كما قدمت العازفة الروسية مقاطع شرقية من أوبرا «رسلان ولودميلا» لغلينكا، ومقاطع من أوبرا «الأمير ايغور» لبورودين. وتحدثت ريابيفا قبل الحفلة عن تأثير الشرق في مؤلفات الموسيقيين الروس الكلاسيكيين. وأوضحت ل «الحياة» أن مع نضوج المدرسة القومية الروسية ظهرت باكورة الأعمال الكلاسيكية ذات الطابع الشرقي الحقيقي كالفانتازيا الشرقية و «إسلامي» لبالاكرييف أو «شهرزاد» لريمسكي كورساكوف، وكانت شرقيتها نابعة من كون مؤلفيها ذوي أصول روسية شرقية، وهي انعكاس للحضارة التي تشربوها في صغرهم قبل أن ينتقلوا الى الدراسة والعمل في موسكو أو غيرها من المدن الروسية الغربية الطابع، وقد تمرد الموسيقيون الروس على التراث الغربي الذي كان شائعاً في موسيقاهم. ورأى هؤلاء في الموسيقى الشرقية بديلاً يستعاض به عن تراثهم الوطني العريق أو وسيلة للمزج بين ذاك التراث وعناصر شرقية جديدة تزيده تنوعاً وغنى.