«فينيسا الإسكندرية» أو قرية الصيادين، عالم فريد مليء بالحياة والسحر الغامض. مئات المراكب الصغيرة المتشابهة شكلاً وحجماً وتصميماً، والمختلفة لوناً وتفصيلاً، منها الزهري والأحمر والأصفر والبرتقالي والأزرق والمموهة بأشكال هندسية أوعبارات فولكلورية طاردة للحسد وأدعية لجلب الرزق، فيما تتناثر منازلها البدائية البناء والمنخفضة الارتفاع. بيوت قديمة لا تتجاوز الطابقين تطل مباشرة على الماء وتستقر قاعدتها في البحر، على ضفتي مجرى ترعة الخندق (المكس) الممتدة من بحيرة مريوط إلى البحر المتوسط، فتجمع البيوت في أسفلها كائنات البحر، وفي أعلاها السكندريون الأصليون محترفو الصيد منذ عشرات السنين، والذين يعيشون ويتنقلون ويصيدون ويذهبون ويعودون بحنين إلى ضفتي المجرى المائي البدائي. تقع قرية الصيادين في منطقة المكس في بقعة خلابة من الجمال غرب الإسكندرية وهي من المناطق ذات الطابع الخاص، فالمنازل بنيت علي ضفتي إحدى قنوات الصرف الزراعي (ترعة الخندق) والتي تخترق التلال تاركة المنازل تحاصرها على هيئة أهرام مقلوبة. فمساحة المنزل تقل كلما اتجهنا إلى أسفل وفق انحدار التل، ولا أحد يعرف تحديداً متى ظهرت منطقة المكس. ويقول سكان المنطقة أنها نشأت بعد حدوث زلزال في منتصف القرن التاسع عشر نتج عنه التلال التي بنيت عليها المنازل ثم امتلأ المجرى بالماء بعد شق ترعة المحمودية، وعن سبب تسمية المنطقة بالمكس يقول الأثري أحمد رياض أن كلمة المكس أتت من المكوس أو الضرائب، وكان بالمنطقة المبنى الحكومي لجمع المكوس في ذلك الوقت. ونظراً إلى طبيعة المكان وتركيبته البنائية الفريدة صُوِّر عدد كبير من مشاهد الأفلام السينمائية فيه، مثل فيلم «صايع بحر» ومشاهد أخرى في فيلم «الشبح» للمخرج عمرو عرفة وفيلم «رسائل البحر» لداود عبد السيد، كما صور فيلم «بلطية العايمة» كاملاً في المنطقة، وهو من بطولة عبلة كامل، والذي أثار ردود فعل غاضبة. وتدور أحداث الفيلم حول سيدة واجهت ظلم رجال أعمال جشعين، وهو ما ترفضه التقاليد الذكورية في المنطقة. كما صوّر عدد من الفيديو كليبات لفنانين مشهورين مثل هاني شاكر وشاهيناز. ويعد المكان ملتقى للعديد من التشكيليين العالميين من فرنسا وجنوب أفريقيا والكاميرون وكينيا وتوغو والسنغال، إضافة إلى مصر والمغرب، وغيرهم طبقاً لمبادرة مؤسسة جدران الثقافية والتي سعت إلى تطوير المنطقة ثقافياً وفنياً، إلا أن المبادرة ما زالت تحتاج إلى دعم. تعد ترعة المكس آخر تجمع للصيادين في الساحل الشمالي، فهي الأشهر في صيد الأسماك ومهنة الصيد وما يتصل بها وهي مهن متوارثة، سواء إصلاح الشباك أو صناعة المراكب وبيع السمك. يؤكد الصياد عبد الرحيم سيد، أنه قديماً كان ثلث إنتاج الأسماك في مصر من المنطقة، حيث كانت المياه تجذب السمك بطريقة عجيبة، قبل أن تبدأ شركات النفط بإلقاء مخلفاتها فى الترعة ليهرب السمك ويختفي معه الرزق. ويرى عبد الرحيم أن منطقة المكس ضائعة بين أزمات الانغلاق والتلوث وانخفاض مستوى التعليم وانخفاض مستوى الوعي الصحي، ويحاصرها الفقر، على رغم طبيعتها الساحرة التي تحتاج إلى الكثير من الاهتمام.