رحلت الممثلة مريم فخر الدين أمس عن 81 عاماً بعد علاج في العناية المركزة لم ينقذ حياتها. جميلة السينما المصرية ذات الوجه الهادئ والابتسامة الرومانسية، ولدت في 8 كانون الثاني (يناير) 1933 لأب مصري من أصل تركي ولأم هنغارية، وكان جمالها يوافق الذوق العام في مجتمع يختلط بالجاليات الأجنبية حيث يشكل نمط العيش الأوروبي وثقافته نموذجاً للطبقات الصاعدة. ولطالما نظرت مريم فخر الدين إلى نفسها كما نظر إليها الآخرون باعتبارها رومانسية تتبع عواطفها أكثر من عقلها، لذلك عاشت حياة قلقة ناتجة من زواجات متسرعة، أولها لمدة 8 سنوات بالمخرج محمود ذو الفقار، وبعد طلاقها تزوجت تباعاً بالدكتور محمد الطويل لمدة أربع سنوات، ثم بالمغني السوري فهد بلان، ثم بأمين الفضالي. الرومانسية الحالمة احتلت موقعها بين نجمات الشاشة مديحة يسري وفاتن حمامة وليلى فوزي وهند رستم، وكانت أكثرهن شبهاً بنجمات السينما الأميركية، وإن تميزت بالهدوء ولم تعتمد صخب الأميركيات على الشاشة. ودخلت شخصية مريم فخر الدين منذ فيلمها الأول «ليلة غرام» (1951) (استند إلى رواية «لقيطة» لمحمد عبدالحليم عبدالله وارث المنفلوطي في انسيابية اللغة وموضوعات الحب الحزين) في نمطية الجمال الحزين التي تقبّلها المشاهدون وتحمسوا لها في أفلام لاحقة مثل «السماء لا تنام» و «حكاية حب» و «رسالة غرام» و «رد قلبي» و «ملاك وشيطان»، لكنها كسرت النمط إلى حد ما في أفلامها اللاحقة، منذ سبعينات القرن الماضي، وكذلك في المسلسلات التلفزيونية التي شاركت فيها. مدخلها إلى السينما نجاحها في مسابقة لفتاة الغلاف نظمتها عام 1951 مجلة «إيماج» الصادرة بالفرنسية عن دار الهلال المصرية، وحين ظهرت صورتها على غلاف المجلة توافد إليها مخرجون ومنتجون، وحظي بقبول العائلة المخرج أحمد بدرخان الذي أعطاها بطولة فيلم «ليلة غرام» في العام نفسه. وتميزت الراحلة بأدوارها كحبيبة لمطربين في أفلام غنائية أمام عبدالحليم حافظ وفريد الأطرش ومحرم فؤاد، شاغلة بذلك خيال الشبان والشابات في العالم العربي، ولا تزال حية صورتها حين ترتب شعرها الذي تعبث به ريح البحر فيما عبدالحليم يغني «بتلوموني ليه». وعلى رغم إتقانها لغات أجنبية (نالت شهادتها الثانوية من المدرسة الألمانية في القاهرة) إلا أنها احتفظت بعفوية طفولية لازمتها إلى آخر العمر، فآراؤها بنفسها وبالآخرين عفوية مثل بنات الأحياء الشعبية وأحياناً جارحة، ولطالما أعلنت أن «زيجاتها سريعة بل متسرعة»، وأن «السينما المصرية تدهورت بسبب الدخلاء»، وأن أدوارها الرومانسية الأولى أثّرت في حياتها الشخصية، وأن زمننا ليس زمن الرومانسية والجمال. وذهبت بها الصراحة إلى القول إن أحد المخرجين كان يأمرها بارتداء ألبسة داخلية حريرية باهظة الثمن لتشعر بالراحة التامة وهي تمثل. وطالما سمع المتصلون بمريم فخر الدين بدل رنة الهاتف مقطعاً من أغنية لعبدالحليم وآخر من أغنية لفريد الأطرش. كان الغناء الرومانسي بوابتها ومفتاح شخصيتها. ذات الجمال الحزين رحلت، وكأنما تنبه الناس فجأة إلى أن مريم فخر الدين تشبه مصر أفلام الأسود والأبيض قبل أن يلطخها اختلاط الألوان بدعوى تظهيرها على طبيعتها.