«في الحرب، يجب أن نعطي مساحة كبيرة من البثّ للحياة المستمّرة، ونبتعد عن بثّ أخبار السياسة المتواصلة وما تحمله من قتل ونفاق يصل بالجمهور إلى درجة الإشباع بالاكتئاب والخوف والكراهية»، هذا ما تقوله أروى الباشا الصحافية مقدمة برنامج «بيت الفن» عبر إذاعة «أورينت». فلا تزال البرامج الاجتماعية والفنية تأخذ مساحة واسعة من بث الإذاعات السورية، على رغم طغيان الحدث السياسي وأخبار الحرب الدائرة في البلاد. ويستطيع المتابع أن يحصي عدداً لا بأس به من هذه البرامج التي تقدمها إذاعات ظهرت بغالبيتها بعد الثورة، ويعمل معظمها في دول الجوار السوري، معتمدةً على هجرة الكوادر الصحافية من الداخل إلى هذه الدول كتركيا والأردن ولبنان. البرامج الفنية والاجتماعية بطابعها الأقرب إلى الترفيه، توسعت في خيار الصحافية السورية لمى الأصيل التي أسست بعد استقرارها في الولاياتالمتحدة الأميركية، «إذاعة لمى» عبر الإنترنت. الإذاعة موجهة في المقام الأول إلى السوريين المقيمين في الولاياتالمتحدة والذين ازداد عددهم خلال السنوات الأربع الماضية، لكن برامجها بشكل عام ذات طابع فني وترفيهي واجتماعي أقرب لليومي والمعاش. وتعنى بتقديم موادها ضمن هذه القوالب في محاولة لتأسيس مساحة تواصل خفيفة الظل. وهنا تقول الأصيل: «وجدت «إذاعة لمى» كمساحة راحة من هموم الحرب وصور الموت وأخبارها المحيطة بنا. لا يعني هذا الهروب من الواقع، بل هي بمثابة التذكير بأن شيئاً مفرحاً لا يزال ممكناً أن يأتي من تلك البلاد التي شبعت من الموت. وإن كانت بلادنا منكوبة فهذا لا يعني أن نتوقف عن الأمل والبحث عن فرحة، ولو كانت تتجسد فقط بمقطع من أغنية حنين إلى الحبيب أو الوطن أو من خلال برنامج يتناول الواقع بالسخرية». تبدو صناعة البرامج الإذاعية الترفيهية صعبة، ضمن الظروف التي يمر بها المجتمع السوري. فأخبار القتال والجبهات الساخنة وأعداد القتلى والجرحى والنازحين تتصدر أولويات وسائل الإعلام اليوم. ما يترك مساحة البرامج الفنية والاجتماعية المنوعة تتراجع إلى مراتب خلفية في الاهتمام العام. لكن أروى الباشا ترى أنه «لو قُدّم هذا الترفيه بشكل صحيح بما يحترم عقل الجمهور والظّرف المرحلي، فهو قائم ومستمر بلا شك، وهو أصلاً يكون المتنفّس الوحيد للجمهور المُتعب من نشرات الأخبار». وتضيف: «من المعروف أن الإبداع يولد من رحم من الظروف الصعبة. ولا قوّة في الدنيا تستطيع أن تضع حدّاً للفن، فالفن ليس مجرّد ترفيه بل حياة وروح». في المقابل يبرز لمن يتابع الإذاعات السورية تنامي مساحة البرامج الاجتماعية والخدمية الساعية لتلبية حاجات الناس المستجدة التي خلقتها الحرب، فتقدم هذه البرامج نصائح حول أمور اللجوء والسفر والإقامة وغيرها. وهنا تقول لمى الأصيل: «بدأت التواصل مع محامية لتوضيح الأمور القانونية للسوريين هنا من لجوء وعمل وغيره، إضافةً إلى التواصل مع الجمعيات والمؤسسات التي تقدم خدمات علاجية وصحية لذوي الدخل المحدود والعاطلين من العمل، ونضع إعلانات مجانية لأي عربي يريد الترويج لمشروعه الصغير، كالسيدات اللواتي أسسن لمطابخ بسيطة في بيوتهن». ويبدو أن اهتمام الناس بالبرامج الاجتماعية والترفيهية هي الدافع الأول للاستمرار بالنسبة للقائمين عليها، كما تؤكد الباشا. وتفيد بأن «نحن بدورنا نعمل على نقل الأخبار والكواليس الفنية من مصادرها، وفي كثير من الأحيان أقوم بربط الفن بالحدث الرّاهن، على رغم عدم تفضيلي ربط الفن بالسياسة». وهذا ما توافق عليه الأصيل أيضاً، إذ استطاعت عبر إذاعتها وبرنامجها المنوع «صباحكم شامي» أن تحقق حضوراً مميزاً لدى السوريين الذين يتابعونها في الولاياتالمتحدة. وتقول: «»صباحكم شامي» له فضل كبير علي لتكوين دائرة معارف وشهرة واسعة لي على رغم بساطته، فما أن أتغيب عن عرضه يوماً واحداً حتى تنهال الرسائل على الرقم الخاص بالإذاعة للاطمئنان إلي من ناس لا تربطني أي معرفة بهم».