لا تزال الوثائق السرية التي سربها المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأميركي إدوارد سنودن، تشكّل مادة دسمة للصحافة العالمية تفاجئ بها جمهورها، إذ نشرت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية أمس، بعض تلك الوثائق التي تشير إلى دور الأقمار الاصطناعية والتنصت الإلكتروني في تعقب زعيم تنظيم «القاعدة» الراحل أسامة بن لادن، في العام 2011. واحتوت الوثائق تفاصيل موازنة وكالات الاستخبارات الأميركية، من بينها وكالتا الاستخبارات والأمن القومي الأميركيتين، للعام المالي 2013، أو ما يعرف ب «الموازنة السوداء». ولفتت الصحيفة إلى أن الوثائق تشير في شكل مقتضب إلى العملية التي أدت إلى مقتل بن لادن، غير أنها تشكّل مثالاً صغيراً على التعاون بين وكالات الاستخبارات الأميركية في مجال مكافحة الإرهاب. وكشفت الوثائق أن مختبراً استخباراتياً جنائياً تديره وكالة استخبارات الدفاع الأميركية في أفغانستان أجرى تحليلاً على جثة بن لادن و «أكّد في شكل قاطع» هويته، بعد 8 ساعات على تنفيذ العملية. وأظهرت الوثائق المسربة أن الأقمار الاصطناعية التي يديرها مكتب الاستخبارات القومي الأميركي أجرت أكثر من 387 عملية لجمع صور عالية الدقة وصور ما تحت الحمراء لمجمع أبوت آباد الباكستاني الذي كان يختبئ فيه بن لادن في الشهر الذي سبق العملية، وهي معلومات استخبارية كانت أساسية للتحضير للمهمة وساهمت في أخذ قرار الموافقة على تنفيذ العملية. وكشفت الوثائق أن وكالة الأمن القومي الأميركي المكلفة اعتراض المكالمات الهاتفية والمراسلات الإلكترونية أنشأت مجموعة متخصصة في تطوير واستخدام برمجيات تجسس على الحواسيب والهواتف المحمولة لعناصر «القاعدة» المشتبه بأنهم قادرون على تقديم معلومات استخبارية لرصد مكان تواجد بن لادن. ولفتت إلى أن هذه المعلومات الاستخبارية استخدمتها القوات الأميركية في أفغانستان في نيسان (أبريل) 2011، أي قبل شهر من مقتل بن لادن، بهدف القبض على 40 مسلحاً من «طالبان» ومسلحين آخرين في البلاد. تجسس على إسرائيل وفي سياق آخر، أظهرت وثائق أخرى سربها سنودن أيضاً، أن الولاياتالمتحدة تتجسس على إسرائيل. وأوردت «واشنطن بوست» أن ملخص الموازنة السرية للاستخبارات الأميركية يفيد بأن عملاء الاستخبارات الأميركيين يهتمون في شكل فاعل بالأصدقاء وبالخصوم على حدّ سواء، حيث وُصفت باكستان ب «الهدف العنيد»، كما أن العمليات الاستخبارية «تركز بشكل استراتيجي على أهداف تشكل أولوية تضمّ الصين وروسيا وإيران وكوبا وإسرائيل». كما تطرق ملخص الموازنة إلى أن وكالة الاستخبارات الأميركية (سي آي أي) ووكالة الأمن القومي أطلقتا مشاريع للتسلل إلى أجهزة كومبيوتر أجنبية وسرقة معلومات وتخريب أنظمة «الأعداء». كما أوضحت الوثائق أن عمليات «مكافحة الإرهاب» لا تزال التركيز الأساسي لوكالات الاستخبارات الأميركية، مشيرةً إلى أن واشنطن تواجه صعوبة كبيرة في التجسس على كوريا الشمالية. وأفادت الوثائق بأن وكالات التجسس الأميركية نجحت في جمع مجموعة هائلة من المعلومات الاستخباراتية منذ هجمات 11 أيلول (سبتمبر) 2001، لكنها بقيت غير قادرة على توفير معلومات هامة للرئيس بشأن عدد من التهديدات للأمن القومي. وتُقدر قيمة «الموازنة السوداء» ب52.6 بليون دولار للسنة المالية 2013 وتشكل خريطة لمشهد بيروقراطي وتنفيذي لم يخضع أبداً للرقابة العامة. وعلى رغم أن الإدارة الأميركية كانت تعلن سنوياً عن حجم الإنفاق الإجمالي على الاستخبارات منذ عام 2007، إلا إنها لم تكشف عن كيفية استخدامها لهذه الأموال أو كيفية تنفيذ الأهداف التي حددها الرئيس والكونغرس. تقرير سنوي من جهة أخرى، تعهد مدير وكالات الاستخبارات الأميركية ال16 جاك كلابر أول من أمس، بنشر تقرير سنوي يتضمن المعلومات «العامة» عن أنشطة المراقبة الهاتفية التي فجرت جدلاً منذ تسريبات سنودن. وأكد بيان أصدره الرئيس الأميركي أن «المدير الوطني للاستخبارات قرر بالاتفاق مع أجهزة الاستخبارات، أن تنشر سنوياً المعلومات العامة» حول بعض عناصر برنامج المراقبة. وسينشر التقرير عدد أوامر المراقبة وكذلك «عدد الأهداف التي شملتها تلك الأوامر». وسيتضمن التقرير الأوامر الصادرة لمشغلي الإنترنت بتزويد أجهزة الاستخبارات الأميركية بالمعلومات المتصلة بأنشطة الإنترنت الخارجية غير المقيّمة (بريد إلكتروني، دردشات ...) في إطار مكافحة الإرهاب. وتعهد المدير الوطني للاستخبارات بالكشف عن عدد «رسائل الأمن القومي» التي سُلمت في الأشهر ال12 الأخيرة. وهذه «الرسائل» هي طلبات قُدمت إلى هيئة مشغل هاتف أو مصرف على سبيل المثال، لتسلم أجهزة الاستخبارات، من دون أن تبلغ أحداً بذلك، بعض المعلومات عن زبائنها. وقال كلابر في البيان إن «قدرتنا على مناقشة هذه الأنشطة محدودة بالحاجة إلى حماية مصادر وطرق الاستخبارات» وإلا «ساعدنا أعداءنا على أن يجنبوا أنفسهم التعرض للكشف» عبر تلك البرامج.