مع اشتداد الغليان المذهبي في العالم العربي والحديث عن صراع سنّي شيعي ربما يرسم خريطة المنطقة، شكل ملف الشيعة في مصر بعد ثورة 25 يناير أحد الملفات الأكثر تعقيداً لناحيتين: مخاوف الأزهر والدولة على الهوية الدينية والمحاولات الإيرانية لاختراق المجتمع المصري عبر «التشيّع». وإن صحّت مقولة الكاتب الكبير محمد حسنين هيكل الذي اعتبر أن قضية الشيعة في المحروسة مفتعلة ومبالغ فيها، فهذا لا ينفي أن ثمة ملفاً شيعياً قائماً. تناول مركز المسبار للدراسات والبحوث في كتابه «التشيّع في مصر» (العدد السابع والسبعون/أيار 2013) واقع الطائفة الشيعية قبل ثورة 25 يناير وبعدها، وقد شارك فيه مجموعة من الباحثين درسوا الحراك الشيعي على المستويين الديني والسياسي. تحت عنوان «الأزهر والتشيع: من لحظة التأسيس.. إلى مغادرة «نَجَّاد» عمل الباحث المصري أحمد عبد الرحيم في ورقته على تقديم قراءة تاريخية للعلاقة بين الأزهر والتشيّع. يضيء على الدور الديني والتعليمي للأزهر إبان العهد الفاطمي وصولاً إلى حقبة التأسيس الثانية التي اتخذت طابعاً سنياً استقر على اعتماد المذاهب الفقهية السنية الأربعة: الحنفيّ والمالكي والشافعي والحنبلي. يسجل عبد الرحيم ملاحظات على كتاب «المراجعات» الذي وضعه السيد عبد الحسين شرف الدين وهو حصيلة مراسلات بينه وبين شيخ الأزهر سليم البشري المالكي حول مذهبيْ السنّة والشيعة، ويعتبر إنشاء «دار التقريب بين المذاهب الإسلامية» (1949) أول محاولة تقريبية في التاريخ المعاصر بين العلماء الشيعة والسنّة. يعرج على ما يطلق عليه «التوتر المواكب» للثورة الإسلامية في إيران (1979) ويختتم بحثه في تتبع تعاطي الأزهر والسلفيين مع الملف الشيعي بعد الإطاحة بالرئيس حسني مبارك. درس محمود جابر النشاط الشيعي في مصر راسماً كرونولوجيا زمنية لثلاث مسائل أساسية، تجارب التقريب بين المذاهب صعوداً وهبوطاً، وتكوين خلايا الشيعية سرّيّة، وعلاقة الحكومة المصرية زمن النظام السابق مع الشيعة والتي غالباً تأثرت في العلاقات المتوترة مع إيران. يعالج سالم الصباغ التشيّع في مصر أسبابه وتطوره في العقود الثلاثة الماضية، ويقارب هذا الموضوع من عدة زوايا وضعها في إطارين: الثورة الإسلامية الإيرانية، والثورة المصرية التي سمحت بتفعيل الحراك الشيعي، الديني والسياسي، حيث برزت مطالب لتأسيس حزب سياسي، وتمّ إنشاء جمعيات دينية شيعة، كما ظهرت احتفالات شيعة مصر بأعيادهم الدينية. شغل موضوع التقريب بين المذاهب الإسلامية حيزاً هاماً في الكتاب، وحاول الباحث خالد محمد عبده في ورقته تبيان مركزية الخطاب القرآني في الدعوة إلى احترام التعدد، ودعا إلى تقديم قراءة نقدية لمسألة التقريب، منتقداً تعاطي بعض الدول العربية وبعض رجال الدين من السنة والشيعة لجهة تأجيج المذهبي، طارحاً «سيناريو الخلاص» عبر تدوير القضايا المذهبية الخلافية؛ والاعتماد على منهج التدريجي في إزالة التحريض المذهبي من الكتب التراثيّة؛ والاتفاق في إطار حركة التقريب بين المذاهب على منع تدريس «الاجتهادات التكفيرية» في الحوزات الشيعية والمعاهد والجامعات السنيّة. قارب الباحث في التصوف الإسلامي بلال مؤمن العلاقة بين التصوف والشيعة من الناحية التاريخية، وتعقب المواقف التي اعتبرت الطرق الصوفية في مصر كبوابة خلفية لنشر التشيع والحاضنة «للمشروع الشيعي الفارسيّ التوسعي على حساب العرب من أهل السنة لا سيما في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير» كما يقول. درس مؤمن مواقف جماعتين من جماعات الطرق الصوفية السنية في مصر: «جماعة العشيرة المحمديّة» من أتباع الشيخ محمد زكي إبراهيم رائد العشيرة المحمديّة، و «جماعة الطريقة العزمية» من أتباع الشيخ الدكتور محمد علاء الدين ماضي أبو العزائم، مستطلعاً مواقفها من قضايا شائكة كالتقريب بين المذاهب والموقف من إيران والشيعة والاختلاف المذهبي والاجتهاد. رصدت الباحثة فاطمة حافظ في ورقتها «الشيعة والمسألة المذهبية في خطاب الإفتاء الرسمي والسلفي في مصر» موقف كلّ من: المؤسسة الدينية الرسمية ممثلة في دار الإفتاء المصرية والتيار السلفي بتكويناته المختلفة وخصوصاً «الدعوة السلفية»، و «الجماعة الإسلامية»، و «جماعة أنصار السنة المحمديّة» من المطالب الشيعية التي ظهرت بعد ثورة يناير (حرية ممارسة الشعائر الدينية، وتأسيس دور العبادة، وتأسيس حزب سياسي ذي مرجعيّة شيعية). عمدت حافظ إلى تحليل الفتاوى الأزهرية والسلفية المرتبطة بالشيعة، وتابعت التطورات الحاصلة في دار الإفتاء المصرية بخصوص العلاقات المذهبية قُبَيْل الثورة وبعدها، للوقوف على العوامل التي دفعت باتجاه التخلي عن النهج التقريبي، وتبنّي أسلوب قريب من السلفيين. كما حاولت الإجابة عن الإشكاليات الآتية: أين يلتقي الخطاب الإفتائي الرسمي مع الخطاب السلفي وأين يفترقان، وهل تحمل التيارات السلفية خطاباً واحداً ورؤية موحدة تجاه المسألة المذهبية أم هل أنها تحمل رؤى متعددة قد تلتقي وقد تختلف؟ وما هي العوامل التي تحكم رؤية المؤسّسة الرسمية للعلاقة مع الآخر المذهبي؟ وإلى أيّ مدى يلعب السياسي دوراً في المسألة المذهبية؟ يقدم محمد حلمي عبد الوهاب مراجعة نقدية لمسألتي التشيّع والتصوف، حيث عرض لعدد من الأطروحات التي درست هذه القضية بينها أطروحة الباحث العراقي كامل مصطفى الشيبي «الصلة بين التصوف والتشيع» (1982) و «العلاقة بين التشيع والتصوف» لواضعها فلاح إسماعيل أحمد، وهي في الأساس رسالة مقدمة لنيل درجة الدكتوراه من كلية الدعوة وأصول الدين من الجامعة الإسلامية (المدينةالمنورة). في الخلاصة يقف الكاتب عند تطور الاهتمام في دراسة الصلة بين التصوف والتشيع في الكتابات الحديثة، مبرهناً على تجلياتها في النص والوعي والتاريخ.