تأخر التلفزيون كثيراً في التعرض لظاهرة المواعدة عبر شبكة الإنترنت، فلم يقدم، وباستثناء تحقيقات إخبارية عابرة، برامج خاصة عنها، على رغم أن العلاقات العاطفية التي تبدأ من مواقع المواعدة الإلكترونية، تحولت في السنوات الأخيرة إلى جزء من التقاليد الاجتماعية الشعبية، كما بينت إحصائيات حديثة عن أعداد المسجلين في مواقع البحث عن شريك عاطفي مثلاً (تعدوا في موقعين ضخمين للمواعدة في الولاياتالمتحدة ال 35 مليون عازب)، أو الذين دخلوا القفص الذهبي بعدما جلسوا لساعات وأيام أمام شاشات الكومبيوتر، يبحثون عن الحب والاستقرار. أخيراً التفت بعض القنوات التلفزيونية الغربية لأهمية هذه الظاهرة لتنتج برامج عنها، ومنها البرنامج التسجيلي «كاتفيش» الذي تعرضه قناة «أم تي في» الأميركية، ومسلسل «مواعيد» على شاشة القناة البريطانية الرابعة (Ch4). يمثل برنامج «كاتفيش» ظاهرة تلفزيونية خاصة، فهو أول برنامج تلفزيوني يُعد امتداداً لفيلم تسجيلي يحمل الاسم ذاته، عرض عام 2010 وحقق وقتها نجاحاً نقدياً وجماهيرياً، كما إن مقدم البرنامج يانيف شولمان، هو نفسه، شخصية فيلم «كاتفيش» الأساسية وضحيته، إذ رافق الفيلم التسجيلي رحلته للبحث عن المرأة التي قابلها على الإنترنت ووقع بحبها، قبل أن يكتشف الجانب المظلم للمواعدة على الإنترنت، فالمرأة التي كانت تقف على الجانب الآخر من المحادثة معه، كذبت في كل شيء تقريباً، من العمر والحالة الاجتماعية، إلى الصور التي ادعت إنها لها، والتي قامت بسرقتها من أحد مواقع الفتيات على شبكة الإنترنت. يُذكّر يانيف شولمان مع بداية كل حقلة من برنامج «كاتفيش» بقصته، والفيلم الذي قام بإنجازه، وما حدث بعد الفيلم، فهو تلقى مئات الرسائل من أميركيين يطلبون منه مساعدتهم في التحري عن حقيقة الشخص الذي وقعوا بحبه عبر الرسائل الإلكترونية والمحادثات الصوتية، وإنهم يخشون إنهم تعرضوا لعملية «احتيال» عاطفي، بخاصة أن الشريك أو الشريكة، يرفضان المقابلة الحية أو التحدث عبر كاميرات أجهزة الكومبيوتر. الرحلة التي يقطعها البرنامج في كل حلقة من حلقاته، تشبه تلك التي قطعها الفيلم التسجيلي، فهي تبدأ بالتعريف بتاريخ العلاقة العاطفية، ثم تحاول أن تصل إلى الطرف الآخر من العلاقة. واللافت أن فريق البرنامج ينجح في كل حلقة بالوصول إلى الشريك الآخر في تلك العلاقات، من دون أي عوائق تذكر، على رغم إن الحلقات ستبين إن شكوك الذين اتصلوا بالبرنامج كانت في محلها تماماً، فشركاؤهم في علاقات الإنترنت كذبوا أيضاً، وانتحلوا شخصيات أخرى، لكنهم وعلى رغم جسامة ما فعلوه، وافقوا أن يظهروا في البرنامج، في فِعل، أراد البرنامج أن يظهره كفعل تَطهر. وإذا كان برنامج «كاتفيش» يستند إلى تجارب حقيقية لأميركيين، فإن المسلسل البريطاني «مواعيد» يقدم سيناريوات خيالية عن لقاءات أولى لأشخاص، كانوا تعرفوا على بعضهم عبر مواقع المواعدة والعلاقات الإلكترونية. تبدأ كل حلقة بلقاء البطلين في مكان عام، وتنتهي غالباً، بهم حائرين، لا يعرفون الوجهة التي عليهم أن يأخذوها، فاللقاءات سارت على خلاف التوقعات، وأثارت آلام الماضي وذكريات العلاقات السابقة للشخصيات. يتميز مسلسل «مواعيد» بحواره وإخراجه، لكنه وكحال البرنامج الآخر، متشائم كثيراً ويشكك بجدوى ونجاح العلاقات عبر الإنترنت، فالعملان التلفزيونيان لا يقدمان الإنترنت كوسيلة ناجعة للتعرف وتطوير علاقات عاطفية، تناسب الزمن السريع المزدحم الذي نعيشه، بل يرسمان صورة معتمة عن طالبي علاقات، يحملون خوفهم وعقدهم التي منعتهم من العثور على شريك في حياتهم اليومية العادية، إلى شبكة الإنترنت. وتتجاهل هذه البرامج أيضاً «البلوغ» الذي وصله فعل المواعدة عبر الإنترنت، والذي أكدته إحصائيات حديثة من الولاياتالمتحدة وغيرها من البلدان.