أن يُقدّم كاتب دراسة نقدية عن تجربة شاعرة شابة لم يصدر لها سوى مجموعتين شعريتين، هو بلا شكّ أمر مُستغرب. لكنّ الشاعر والناقد ميشال سعادة كان له رأي آخر في هذه المسألة، بحيث وجد أنّ ما يراه الآخرون مغامرة هو في الأساس حاجة ضرورية لسدّ ثغرة في مجال النقد الشعري «النسوي». ومع أنّه لا يؤمن بالتصنيفات الشعرية «الجندرية»، يعتقد ميشال سعادة أنّ الحركة الشعرية والأدبية النسائية نشطت في شكل ملحوظ منذ آخر القرن المنصرم، إلاّ أنّ الرجل ظلّ يعتبر نفسه قيّماً على العمل الإبداعي. وهو من هذا المنطلق، قرّر أن يولي اهتمامه كشاعر وناقد للتجربة الشعرية النسوية، وزهرة مروّة هي الشاعرة الأولى التي يقتفي سعادة تجربتها من خلال كتاب «زهرة مروة في مجموعتيها الشعريتين: جنّة جاهزة والإقامة في التمهيد» (دار التكوين، 2013). ويُعدّ هذا الكتاب بمثابة مقاربة نقدية تأويلية في ديوانين صدرا في العام ذاته، علماً أنّنا قلّما نعثر على شاعرة تنشر باكورة أعمالها وثانيها في عام واحد. وهذه الميزة لفتت ميشال سعادة إلى الشاعرة الشابة التي «تكتنز في ذاتها خزّاناً شعرياً لا يُستهان به، وأنها واعدة بمستقبل حافل بالإبداع»، على حدّ تعبيره. وعن سرّ حماسته للبحث في ديواني زهرة مروّة، يقول سعادة إنّ فضاءها الشعري حفّزه إلى الكشف والاستكشاف، وأنّه مذ قرأ ديوانها الأول توسّم فيها موهبة تُمكنّها من أن تحتلّ مركزاً مرموقاً بين زميلاتها الشاعرات. ينطلق الكاتب من تفسير عنوان الديوان الأوّل «جنّة جاهزة»، من ثمّ يغوص في مفردات النصوص الشعرية ولغتها وصورها ومعانيها: «جنة جاهزة، عمل قوامه مفردتان: الأولى نكرة، والثانية نكرة إخبارية. وبهذا بات العنوان، في وجهة الأوّل يُشير ، تقريرياً، إلى مضمونه، لكنّه يومئ في وجوهه الأخرى، إلى عوالم ملوّنة تستحوذ على القارئ الذي يكتشف تالياً أنّ العمل الأدبي مفتوح على احتمالات شتّى، وهو الذي يُسهّل لنا معرفة الأفكار والعواطف والهواجس، وأنّ المعرفة تُشكّل لاحقاً متعة فنية وجمالية». يطرح سعادة أسئلته، ومن ثمّ يجيب عنها، انطلاقاً من القصائد نفسها: «لماذا نتلمّس في شعرها تردّداً وخوفاً من عبور ولا عودة؟ هل لفكرة التقمّص حال استعادة لفردوس مفقود؟ ولماذا هذا القلق والإقدام المؤجّل؟». لكنّه يخرج بنتيجة مفادها بأنّ الشاعرة الشابة التي كتبت جنّة جاهزة هي ليست امرأة الوهم، وإنما ابنة الواقع أو طفلته، كما تقول في قصيدتها: «سأبقى أنا/ طفلة الحياة/ التي بحبّة سكاكر تنسى الدنيا». فهي التي تعيش على خبز الذكريات، تفترسها الرغبة مرّة والقلق مرّات. ويتوصّل أخيراً في دراسته حول ديوانها الأول إلى أنها شاعرة استطاعت أن «تفتح ثغرة في جدار اللغة... كان لها أن تشعل النار في مخيلة المتلقي لتلتهم الصور المادية، وتُضيء الفضاء الوجداني». وبعد الاستفاضة في نقده لديوان «جنّة جاهزة» (دار الغاوون، 2012)، ينتقل ميشال سعادة لتحليل الديوان الثاني «الإقامة في التمهيد» (الدار العربية للعلوم ناشرون)، فيُبحر في شرح الديوان من خلال التعمّق في قصائده وأجوائه. فيخلص سعادة إلى أنّ الشاعرة تبتكر ذاتها فيما هي تبتكر شعرها. فالحلم هو سمة من أهم سمات شعرها، لكنّ المهمّ في تجربة مروّة ليس في فعل الحلم، وإنما في كيفية تحقّق هذا الحلم. أمّا القسم الثاني من الكتاب، فيُخصّصه سعادة لقصائد مختارة من ديواني مروّة، ولمقتطفات من قراءات نقدية في مجموعتيها «جنّة جاهزة» و»الإقامة في التمهيد».