ما صدمتك بإعلان اسم ابنك ضمن قائمة المطلوبين أمنياً؟ ما مدى استنكاركما كأب وأم لحظتها، ومن سيلوم فيكما الآخر؟ هل للأسرة أن تفاجأ بخروج ابن إرهابي منها؟ ما علاقة الأسرة بفكر وفعل ابنها الإرهابي؟ أذكر تماماً بعضاً من تلك الأسئلة التي وُلدت لديّ وتنامت على إثر مشهد شهر (أيار) مايو من العام 2003 وأنا أشاهد تلك المجموعات من شباب وطني تفجر في مجمع الحمراء، وعلى قدر ما كان السؤال عميقاً ومقلقاً لي على قدر صعوبة إجابة السؤال المهم «كيف...؟»، كيف يُختطف الابن الإرهابي من وسط أسرته؟ وكما هو استشعاري للأسى الذي يعيشه والدا الانتحاري «عبدالله عسيري» أشاطرهما مواساة لهما هذا المصاب الجلل، فإنني أدرك وأعيش معهما الصدمة التي قد تتلقاها أي أسرة، كما هي أسرة حسن عسيري، القضية لا تقف عند حدود الصدمة والاستنكار إنما يجب أن تفتح أبواباً خفية في الأسرة، هذه الأبواب مكّنت للفكر الإرهابي التسلل إلى عقول أبنائها من خلالها، عندما نقول «عبدالله عسيري» فنحن نرمز لأي فرد إرهابي، وحين نبحث عن مقابض تلك الأبواب فنحن نبحث عن تلك الأبواب في كل أسرة. توصلت إحدى الدراسات العلمية التي تتبعت المنطق العسكري في رسم الخطوط الهجومية والخطوط الدفاعية إلى أن أول خطوط الدفاع ضد الإرهاب: خط التربية، العملية التربوية كما هو معروف تقوم على أسس متعددة كما يذكر الكثير من العلماء ذلك، ومنها ما ذكره «رونيه أوبير» في كتابه «التربية العامة»: تحديد أو تحقيق ذات الكائن عبر النضج النوعي، اقتراح دور وظيفي يهيئ الاندماج الاجتماعي والمهني، اكتشاف القيم الإنسانية عبر الثقافات المتوارثة التي كونت حضارات، اكتشاف الكائن بين ما يريد وما يستطيع ليعيد بناء ذاته من خلال عمليات النضج البيولوجي والاندماج الاجتماعي كذلك المهني والحضاري، المؤالفة بين ما هو جسدي/ اجتماعي/ حضاري وما هو فردي عبر مستوى من القيم الأخلاقية والقوانين الأساسية للروح البشرية. عندما عد علماء الاجتماع الأسرة أنها المصنع الأهم في تكوين عقلية الفرد، إذ يتلقى أسس التفكير العقلي ومبادئ التقويم واتخاذ المواقف من الأشياء، كونها المؤسسة التربوية الأولى المسؤولة عن إنتاج أفراد صالحين أسوياء أو طالحين أشقياء، ولو نظرنا إلى عملية التعليم من الجانب التربوي لوجدنا أنه يضعنا أمام إشكالية النجاح في ظل غياب دور تربوي إيجابي للأسرة، فلا غرابة أن نبدأ أولاً بالأسرة وهي المدرسة التربوية الأولى التي إذا أخلت بعملها الاجتماعي والأخلاقي والثقافي فإن المدرسة والجامعة لا تستطيعان بمشاكلهما الحالية تقديم معجزة إنشاء جيل سليم بدون مركبات العنف والنقص والجهل. المشكلة تكمن أن كثيراً من الأسر لا تدرك كثيراً من القضايا ذات العلاقة بالإرهاب، وإلا كيف للأسرة أن تنصدم بابنها الإرهابي وتستنكر فكره وفعله؟ وهو الذي نشأ في كنفها وترعرع تحت عينيها! كيف لأسرة كانت بالأمس تحتفي بابنها الذي تظهر عليه علامات التدين والخير؟ ثم تستنكر الأسرة ذاتها تحول ذلك الابن إلى فرد إرهابي وقنبلة جاهزة للتفجر! الربط بين إجابة التساؤلين يقودنا لأول خيط في حل المشكلة. في إشارة سابقة - في مقال «44 إرهابياً... هل بحثت في أسرتك ؟!» - «أن فهم علاقة الأسرة في المجتمع بالثقافة من خلال الأبناء وتحديد نوعية منتجها من الاستقامة الفكرية أو الانحراف من خلال دور الأسرة في المجتمع السعودي، وكيف ينحرف الأبناء في الأسرة، ومتى، وأين؟» تقودنا خاتمة المقال المفتوحة إلى جواب السؤال: كيف؟ لنرفع السؤال من جديد: كيف يختطف الابن الإرهابي من وسط أسرته؟ بناء الأسرة لعلاقتها بأبنائها، الأسرة السعودية بين التقليدية والمعاصرة في تربية الأبناء، علاقة الرجال بالنساء في المجتمع السعودي وانعكاسه في المنزل بين الابن وأمه وأخواته، نسبة العنف في الأسرة السعودية، فهم الأسرة السعودية لتدين أبنائها المعتدل، كلها معايير تحدد دور الأسرة في المجتمع السعودي. في حين أن الحدود الدينية بين الأسرة والثقافة، وأن ليس كل تدين هو استقامة في الشخصية، وسبب انحراف الأبناء الذكور أكثر من الإناث مع وجودهم في الثقافة نفسها، وسبب تأثر الأسرة السعودية بما يجري في العالم أكثر من غيرها، ومسؤولية تفاوت الفهم للدين بين الأبناء والآباء... مسؤولية مَنْ: الثقافة أم التعليم؟ تجيبنا عن سؤال: كيف ينحرف الأبناء في الأسرة، ومتى، وأين؟ وحتى لا ينصدم أحد منا، ويستنكر خروج إرهابي من ظهرانيه ومن قلب أسرته فلنبحث عن الأبواب الخفية، وهنا، لعلنا نفتحها في القادم من الأيام من خلال نتائج بحثية حاولت الإجابة عن السؤال: كيف؟! * باحثة في الشؤون الأمنية والفكرية. [email protected]