استخدم الجيش في بوركينا فاسو أمس الأحد الغاز المسيل للدموع والعيارات النارية التحذيرية ضد المتظاهرين الذين يرفضون تسلمه الحكم، لكنه كرر التزامه إجراء عملية انتقالية في اطار تشاوري. ومساء أمس الأحد، جدّد الجيش التزامه القيام بهذه العملية بالتشاور مع كل مكونات المجتمع في بوركينا، وذلك إثر اجتماع مع قادة المعارضة. كذلك، واصل الرجل القوي في البلاد اللفتنانت كولونيل اسحق زيدا مشاوراته مع سفيري فرنسا والولايات المتحدة وفق التلفزيون الوطني. وندد المجتمع الدولي في شكل واسع بتسلم العسكريين السلطة. إلى ذلك، قتل شاب كان يتظاهر أمام مبنى التلفزيون الوطني برصاصة طائشة، وفق الجيش حين عمدت قواته إلى تفريق المتظاهرين. وأطلق جنود من فوج الحرس الرئاسي النار في الهواء عند مدخل مبنى التلفزيون لتفريق الجموع، ثم سيطروا عليه. كما سيطر الجيش على ساحة لاناسيون في واغادوغو، وأبعد منها آلاف المتظاهرين الذين كانوا احتشدوا فيها، وطوّق الساحة لمنع وصول المتظاهرين. وكان الجيش فوّض السبت اللفتنانت كولونيل إسحق زيدا (49 سنة) تولّي النظام الموقت. ووعد القائد العسكري الجديد بعملية "ديموقراطية" تجمع كل القوى الحية في هذا البلد الفقير في منطقة الساحل، لكن الغموض لا يزال يحوط بتفاصيل هذه العملية الانتقالية. ويشكّل تولي الجيش السلطة في بوركينا تحدياً للولايات المتحدة التي كانت دعت قبل ساعات "الجيش إلى تسليم الحكم فوراً للسلطات المدنية"، منددة ب "محاولة الجيش فرض إرادته على الشعب". وينصّ الدستور في بوركينا الذي علّقه العسكريون على أن يتولى رئيس "الجمعية الوطنية" الرئاسة الانتقالية في حال شغور السلطة. ودعا الاتحاد الأوروبي الجيش إلى احترام الحقوق الأساسية بما فيها حق التظاهر سلمياً. وكانت الوساطة الدولية الثلاثية في بوركينا فاسو التي تقودها الأممالمتحدة والاتحاد الأفريقي والمنظمة الإقليمية لغرب أفريقيا، دعت في وقت سابق إلى إقامة نظام انتقالي "يترأسه مدني" و"يتطابق مع النظام الدستوري"، ولوّحت بفرض "عقوبات" إذا لم يحصل ذلك. ويعقد ظهر الإثنين في أديس أبابا اجتماع لمجلس السلم والأمن في الاتحاد الأفريقي مخصص للأزمة في بوركينا فاسو. وقال مندوب الأممالمتحدة لغرب أفريقيا محمد بن شمباس في مؤتمر صحافي "نأمل بقيام نظام انتقالي يترأّسه مدني ويتطابق مع النظام الدستوري، وإلا فالعواقب لا تخفى على أحد. نريد أن نتجنب فرض عقوبات على بوركينا فاسو". وبعد تشاور استمرّ نحو ساعة بعد الظهر مع المعارضة، تبنّى زيدا لهجة مطمئنة، معلناً في بيان أنه "سيتم تشكيل هيئة انتقالية تضمّ كلّ المكونات". وأضاف "السلطة لا تهمنا، الأولوية وحدها للمصلحة العليا للأمة". وفي بيان منفصل، أعلن الجيش تخفيف حظر التجول الليلي بحيث بات يمتد من منتصف الليل حتى الخامسة صباحاً بدلاً من الساعة 22 حتى السادسة صباحاً. ويبدو واضحاً أن الوتيرة المتسارعة للأحداث فاجأت المعارضة المتردّدة وربما المنقسمة، علماً أنها لم تستبعد التوصل الى تفاهم مع العسكريين. ولم يدل زعيمها زيفيرين ديابري بأي تصريح. وفي الشارع، عبر المحتجون عن خيبة أملهم قبل أن يفرقهم الجيش. وقال عبدالله تراوري العاطل عن العمل (33 عاماً) إننا "نناضل اليوم من أجل تنحي اللفتنانت كولونيل زيدا". وبعيداً من هذه الفوضى، لجأ الرئيس السابق لبوركينا، بليز كومباوري إلى ياموسوكرو في ساحل العاج المجاورة والتي يحكمها صديقه الحسن وتارا. وكان وصل إليها مساء الجمعة وهو يقيم حالياً في مسكن للدولة مخصص للضيوف الأجانب. أما باريس، القوة الاستعمارية السابقة وأول جهة مانحة لبوركينا، فلم تدلِ بموقف حتى الآن من الأحداث الأخيرة التي تتابعها فرنسا من كثب ومثلها العديد من الدول الأفريقية التي ثمّة توجه لدى رؤسائها لتعديل الدستور بهدف البقاء في السلطة، إسوة بما قام به كومباوري.