يعلو آذان المغرب. يضرب المدفع إيذاناً بموعد الإفطار. الطاولات والكراسي جاهزة لاستقبال الصائمين. مزيّنة بالتمر والمكسرات وعصائر الجلاب وقمر الدين والليموناضة والتمر الهندي. الصمت يُخيّم على وسط المدينة المزدحم عادة بالسيّاح والمصطافين في مثل هذه الأيام الملتهبة. بالكاد ترى عائلة في كل مطعم أو مقهى. وقد لا ترى إلا العمال.ينتظر محمد النادل في أحد المطاعم الكبرى في شارع المعرض، الرواد. يراقب المارة على قلّة عددهم. يدعوهم الى تذوّق أطباقهم الرمضانية. «بالكاد نحظى ب 10 أو 15 شخصاً على الأكثر، مع أننا خصّصنا وجبات رمضانية بأسعار لا تتجاوز ال 23 دولاراً»، يقول. لكن الحال أسوأ في مطعم مجاور، حيث يجتمع النادلون حول إحدى الطاولات المربّعة. يُريحون أجسادهم من الوقوف ويسدّون جوعهم ببعض شطائر البيتزا، بما أن «غالبية زبائنهم تأتي بعد التاسعة مساء، هذا إن أتوا» يشير جو. ويتابع: «الإقبال انخفض حتى خلال الظهيرة، وهذا لم نعتده في السنوات السابقة». عاملون في قطاع المطاعم في وسط المدينة يتّفقون أن نسبة الزبائن انخفضت في رمضان بسبب مغادرة السيّاح الخليجيين واللبنانيين المقيمين في الخارج. ويأملون في التعويض أيام عيد الفطر «عندما يعود السيّاح فيُنعشون المنطقة مجدداً». يشرح مدير مطعم أن «نسبة الزبائن انخفضت حوالى 40 في المئة، مقارنة مع الفترة التي سبقت بدء شهر رمضان ومقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي». لكنه يتّفق مع غالبية زملائه بأن «الإقبال يتحسّن تدريجاً بعد الإفطار. يفضلّ الناس السهر خارج المنزل. أخفّ على الجيبة وبعيداً من حرارة الشمس». تنفخ هدى دخان الأركيلة في الهواء الطلق، مؤكدة أنها كانت تقضي غالبية الإفطارات في السنوات السابقة في الخيم الرمضانية. أما هذه السنة، فملّت السيدة الأربعينية من أكل المطاعم، خصوصاً أن «الحالة الاقتصادية لم تعد تسمح بالبذخ والإسراف». تفضلّ هدى وصديقاتها الخروج في السهرة لتمضية الوقت مرّة في الأسبوع. تُقاطعها صديقتها قائلة: «افتقدنا الحماسة للسهرات الطربية التي كانت سائدة في الماضي. أشعر أن الناس صارت بحاجة الى التقرّب من الله في شهر الرحمة». حالة الركود هذه لا تنحصر في وسط المدينة فحسب، بل طاولت بعض الفنادق التي ألغت هذه السنة الخيم الرمضانية التي اعتادها أهالي بيروت في السنوات الماضية والتي تقدّم كل ليلة حفلات موسيقية وطربية متنوّعة. ويتّفق عاملون في فنادق أن هذه الخيم صارت «موضة قديمة»، إضافة الى أنها لم تعد مربحة. لكنهم يلفتون الى أن تزامن شهر رمضان مع فصل الصيف، أثّر في القطاع الفندقي بانخفاض نسبة النزلاء مع مغادرة الخليجيين. كما أثّر في المنتجعات السياحية والمسابح وصالات الأعراس، في المناطق ذات الغالبية المسلمة. ويشرح أسعد أن القطاع الفندقي يعوّل على فصل الصيف عادة، لكننا استطعنا تعويض الربح في بداية الموسم حيث كانت كل الفنادق اللبنانية مكتظّة. وتفضل فاطمة (30 سنة) وعائلتها متابعة المسلسلات التلفزيونية في هذه الأجواء الحارّة في البيت أو عند الأصدقاء، فهي «أرخص وأمتع».