شهدت المنطقة العربية تغييرين أساسيين في الأشهر الماضية، الأول سياسي أمني استراتيجي، والثاني اقتصادي استراتيجي أيضاً لارتباطه بالنفط. وكان لهذين التغييرين انعكاسات جذرية على اقتصادات المنطقة عموماً وعلى عدد من دولها تحديداً. وشكلت هذه التطورات غير المسبوقة في المنطقة محور تقويم في اجتماعات الخريف لصندوق النقد والبنك الدولي في واشنطن، وأفضت إلى توصيف هذه التغيرات في المنطقة، وفق عضو المجلس الاستشاري في صندوق النقد الدولي الوزير اللبناني السابق جهاد أزعور الذي اعتبر أن «أكبر عدد من الدول التي تشهد نزاعات عسكرية داخلية يقع في منطقة الشرق الأوسط، كما أن أكبر عدد من النازحين في العالم موجود في بعض دولها». لذا، رأى أن هذا الوضع يعتبر «تحدياً كبيراً أمنياً وسياسياً واقتصادياً، خصوصاً بعدما اعتمدت دول الخليج ودول عربية غير نفطية في الفترة الماضية، أي بعد أزمة المال العالمية وعام 2011، سياسة توسعية في الموازنات تمثلت في زيادة الإنفاق الاستثماري والجاري، لترتفع بوتيرة سريعة التكاليف المترتبة عليه، والذي توجه تحديداً إلى زيادة الرواتب والدعم وتمويل المشاريع الضخمة». ولاحظ أزعور أن هذا النوع من الإنفاق من الموازنات «لم يؤدِّ إلى نمو مستدام، وأفضى إلى صعوبة أكبر في إدارتها في ظل سعر نفط منخفض». وفيما كان مفترضاً أن «ترفع الأوضاع الجيوستراتيجية في المنطقة والعالم (العراق وليبيا وأوكرانيا وروسيا) سعر النفط، إلا أنه «تراجع في فترة زمنية قصيرة إلى 80 دولاراً»، عازياً ذلك إلى «استنفاد القدرة على خلق النمو في عدد كبير من الدول، وصعوبة التكهن في ما ستؤول إليه الأوضاع في ظل استمرار التوترات الأمنية». وقال: «يدفعنا هذا الواقع إلى توقعات غير مشجعة لهذه السنة والعام المقبل»، باستمرار الدول المنتجة النفط في «تسجيل نمو، ولكن متباطئ نظراً إلى قدرتها على مواصلة التمويل لامتلاكها احتياطاً نقدياً يفوق 1400 بليون دولار كوّنته من حصيلة عائدات النفط المرتفعة والاستقرار الداخلي الذي تشهده، فضلاً عن استمرارها في استقطاب الاستثمارات». أما بالنسبة إلى الدول غير النفطية، فأعلن أزعور أن «أوضاع دول التحوّل تختلف بين واحدة وأخرى، ففي تونس ومصر هي أفضل منها في العراق واليمن وليبيا، والآفاق الاقتصادية فيهما جيدة للعامين المقبلين، بعدما نجحتا في إنجاز الاستحقاقات الدستورية وتحقيق الاستقرار». في لبنانوالأردن، وصف أزعور الوضع فيهما ب «الصعب»، نظراً إلى انعكاس الصراع السوري عليهما في كل مفاصل الحياة الاقتصادية والاجتماعية، «وتحديداً في تحمّل تبعات النزوح السوري إليهما». وإذ اعتبر أن «الوضع في لبنان أصعب منه في الأردن، إلّا أن لبنان يملك قدرة أكبر على التحمّل بفعل قدرته على تحمّل الأزمات وخبرته في التكيّف بإدارتها، وهو كوّنها منذ عام 2005 حتى الآن، بتصميم أدوات مالية ونقدية أتاحت له الصمود اقتصادياً». وعلى رغم هذه القدرة، لم يغفل أزعور أن «ما يجعل الوضع صعباً في لبنان هو النمو المنخفض الذي سجله على مدى السنوات الأربع الماضية (2011 - 2014)، تآكلت معه مناعة المؤسسات والقدرة الشرائية للمواطن اللبناني». يُضاف إلى ذلك، «ضخامة الكلفة الاقتصادية والاجتماعية المتزايدة سنوياً للنزوح السوري، والخطر الأمني بعد تفاقم الوضع أخيراً في سورية والعراق، ما زاد الضغوط على قطاعين أساسيين هما السياحة والعقار». لذا، أكد أن الصعوبة في هذه المرحلة «تكمن في إدارة التوقعات في ضوء الاستحقاقات التي يترقبها لبنان على صعيد الانتخابات الرئاسية والنيابية»، معتبراً أن «أي حلّ على هذا الصعيد سيُحدث صدمة إيجابية مرحلية». وفي إدارة السياسة المالية، رأى أنها «دون التحدي»، في ضوء «التمادي في الإنفاق وكأن الوضع طبيعي، ما أفضى إلى عجز في الموازنة بلغ 5 بلايين دولار مشكلاً 11 في المئة من الناتج المحلي، وهو رقم كبير واستثنائي. يُضاف إلى ذلك العجز في الميزان الأولي المقدر ببليوني دولار وهو لم يسجله منذ عام 2002، ويُعدّ هذا الرقم خطيراً». لذا، تتطلّب إدارة المالية العامة «تغييراً جذرياً للحفاظ على الاستقرار والتحوط لأية تطورات باتخاذ إجراءات استباقية لتأمين تمويل حاجات الدولة والدَّين العام، فضلاً عن إدارة السيولة بالتنسيق مع مصرف لبنان المركزي وتحسين الإيرادات». وفي إدارة ملف النازحين، اقترح أزعور «تشكيل فريق عمل خاص به وتعزيز مستوى التنسيق بين الإدارات المعنية، لتخفيف الضغوط على قطاعات الخدمات من صحة وتعليم وطاقة ومياه». وختم بتقويم صندوق النقد للوضع في لبنان، وهو يرى أن «وضعه لا يزال مقبولاً مقارنة بالدول المجاورة، على رغم الصعوبات والضغوط التي يتحمّلها، مع التوصية بخفض العجز وتغيير السياسة المالية، والتحوّط للتطورات الخطيرة التي أنتجها انتشار «داعش» في المنطقة، وانعكاس ذلك على لبنان».