لا ينفك العشريني أسامة الخطيب يستغرق بالتفكير كلما خلا إلى نفسه يتناقل الأفكار بين جنبات دماغه عله يجد حلاًّ لمعضلته في كيفية تكوين أسرة وهو لا يمكنه أن يتملك بيتاً في المدى القريب ولا البعيد، وخصوصاً أن ذويه أمضوا جل عمرهم وهم بالكاد يتمكنون من دفع أجرة البيت الذي يقيمون فيه منذ 15 عاماً. ويمعن أسامة في انزوائه بينما تبدو عليه علامات الحزن والاكتئاب كلما جاء مالك بيت الأسرة يطالبهم بمضاعفة الإيجار أو إلقاء أثاثهم في الشارع. يحاول أسامة الذي أنهى دراسته الجامعية منذ ثلاث سنوات إشغال نفسه عن التفكير بالمأزق، بالخروج مع أصدقائه وحضور أفلام سينما وأحيانا تناول الكحول، غير أنه سرعان ما يعود للاصطدام بالواقع. وتُظهر نسبة 66 في المئة من الشباب في الأردن شعوراً بالحزن، و49 في المئة فقدان الفرح، و43 في المئة فقدان الأمل بالحياة. وتعود تلك الأرقام إلى دراسة علميّة في شأن الاكتئاب عند فئة الشباب في الأردن، قام بها الباحثون ليلى اسماييلوفا من جامعة «شيكاغو»، وعليمات حمود من الجامعة الأردنيّة، وإسراء الخسوني من الجامعة الهاشمية، وستيسي شاو ونبيلة الباسل من جامعة « كولومبيا» ونُشرت مؤخراً في مجلّة « community mental health journal». ويسجّل الاكتئاب معدّلاً مرتفعاً عند الإناث والشباب الذين تعرّضوا للعنف سواء كان فردياً أم جماعياً. وترتبط العلاقات العائليّة الجيّدة بمعدّل حالات اكتئاب منخفض، بينما يزيد سوء الأحوال الاقتصادية، وكثرة تناول الكحول، والتدخين من أعراض الاكتئاب عند الشباب الذكور في الأردن. وشملت الدراسة 8129 فرداً، مناصفة بين الذكور والإناث، تتراوح أعمارهم بين 14 و25 عاماً، وينتمون إلى 34 مدرسة أو جامعة خاصة ورسميّة وعسكريّة أو تابعة للأونروا. وتسكن نسبة 70 في المئة من العينة المدن، و25 في المئة الأرياف، و5 في المئة البادية. واعتمدت الدراسة على ملء المشاركين استمارات تلحظ أعراض الاكتئاب، وعوامل الخطر والحماية مثل: التعرّض إلى العنف، العلاقة بين الأهل والأبناء، السلوكيات الخطرة، الإدمان على المخدّرات، الصورة عن الجسد، التديّن، الوضع الاجتماعي والاقتصادي. وترتبط الصورة السلبيّة للجسد بمعدّل اكتئاب مرتفع عند الإناث الذين تتراوح أعمارهن بين 17 و19 عاماً. ولا تجد أسماء الواكد (19 عاماً) مبرراً عند سؤالها عن أسباب الملامح القاسية والحزينة البادية بشكل مستمر على وجهها إلا وزنها الزائد الذي تعاني منه منذ الطفولة ويتجاوز 110 كلغ، مشيرة إلى أنه غالباً ما يدفع بها إلى الانطواء والابتعاد عن المشاركة في المناسبات العامة. وتؤكد أن وزنها كثيراً ما جلب لها المتاعب والأوجاع، إلى فقدانها التواصل مع الآخرين. ويقول استشاري الطب النفسي الدكتور محمد المهدي أن «من الشائع اعتبار معدل الاكتئاب لدى المرأة ضعف معدله لدى الرجل بالاستناد إلى الأبحاث والدراسات»، لكنه يلفت إلى أن «هذه النتائج قد تكون خادعة لأن المرأة أكثر تعبيراً عن حالها الوجدانية من الرجل، وأكثر قبولاً للمساعدة الطبية النفسية ولذلك يظهر اكتئابها فى حين لا يظهر بسهولة اكتئاب الرجل». وتواجه برامج الصحة العقليّة معوّقات عدّة في الأردن، منها: قلّة التمويل، الوصمة الاجتماعية التي تحدّ من الإبلاغ عن الحالات، وضعف في المعارف العلميّة. وأظهرت دراسة أجريت عام 2009 أن نسبة 60 في المئة من الممرّضين العاملين في مجال الصحة العقليّة لديهم آراء سلبيّة حول الشباب الذين يعانون اضطرابات نفسية. في المقابل، يرى متخصصون ضرورة وضع برامج الصحة النفسيّة وتعزيز الخدمات المتعلّقة بالنواحي الاجتماعية والنفسية للشباب، وحمايتهم من العنف وتحسين العلاقات بين الأهل والأبناء، ويشددون على أهمية إدخال برامج التوعية في شأن الصحة النفسيّة في عمر مبكر لتحصين الفرد من الاضطرابات النفسيّة في المستقبل.