«بوفور» هو العنوان الإنكليزي لرواية رون ليشيم التي صدرت بالعبرية تحت عنوان «إن كانت جنة». تتناول الرواية، التي صدرت عن دار هارفيل سيكر عام 2008، في شكل مباشر ونقدي، قيام الجيش الاسرائيلي باجتياح لبنان عام 1982 والنتيجة التي آل اليها هذا الاحتلال بعدما دفعت إسرائيل الثمن غالياً من أرواح جنودها. وبوفور، وتعني الحصن الجميل باللغة الفرنسية، هو الإسم الذي أطلقه الصليبيون على قلعة الشقيف الرابضة فوق تلة شاهقة في جنوب لبنان. وقد ساهم موقع القلعة في جعلها تاريخياً قاعدة للعسكر من مختلف الجيوش التي مرت على المنطقة. وكان الفلسطينيون في لبنان اتخذوها قاعدة أيضاً إلى أن اقتحمها الإسرائيليون أثناء اجتياحهم لبنان في العام 1982. وقد أقاموا في المكان قاعدة شديدة التحصين ومطاراً عسكرياً، كما شيدوا نوعاً من الجدار الإسمنتي على طول الطريق الموصل الى القلعة تفادياً لهجمات المقاومة اللبنانية. وقبل انسحابهم من الجنوب اللبناني، دمر الجنود الإسرائيليون جزءاً من تلك القلعة، كما حطموا القاعدة العسكرية ثم أتت الطائرات الإسرائيلية فقضت على بنيان القلعة. تدور أحداث الرواية في الأسابيع القليلة التي سبقت الانسحاب الإسرائيلي من لبنان عام 2000 وكيف كان الجنود الإسرائيليون يعيشون في جو من العزلة والخوف الذي كان ينتقل كالعدوى بين الجميع. ويحاول قائد المجموعة الشاب، ليزار ليبرتي، أن يتغلب على خوفه وهو يشهد جنوده يسقطون واحداً تلو الآخر. ويروي المؤلف كيف أن حياة الكثير من الشبان الإسرائيليين الذين طلب منهم أن يضحّوا بأثمن ما لديهم ذهبت سدى في سبيل الحفاظ على موقع تم الانسحاب منه لاحقاً. وتنضم هذه الرواية الى سلسلة الأعمال الأدبية التي ظهرت في إسرائيل والتي رأت ان اجتياح لبنان عام 2891 كان عملاً عبثياً لا معنى له. تركز الرواية على القاع النفسي لقائد المجموعة، الذي يبلغ من العمر 22 عاماً، والذي يتلقى أمراً من قادته يقضي بالحفاظ على الموقع حتى يحين موعد الانسحاب. ويزداد شعور ليزار بالعجز مع كل ساعة تمر، بخاصة حين يسقط رفاقه قتلى وجرحى برصاص المقاومة اللبنانية ولا يستطيع فعل شيء لنجدتهم، ويبدأ في الشعور بأن قادته تخلوا عنهم. ويتولد لدى ليزار إحساس بالمرارة حين يأمره قادته باستعمال المتفجرات لإزالة الموقع، لأن الانسحاب قد بدأ بالفعل، وفي نهاية الرواية يقف ليزار أمام حطام الموقع الذي فجّره بعدما قتل زملاؤه وهم يدافعون عنه وينظر إليه شاعراً بالإحباط وخيبة الأمل بعض حوادث الرواية حقيقي. هناك شخصيتان مستوحيتان من جنديين إسرائيليين قتلا في لبنان، هما نوعم بارنيع وتسيحي إيتاح. وقد قال أهارون بارنيع، والد الجندي القتيل نوعم: «هذه الرواية مهمة للغاية بالنسبة الى قادتنا كي يفهموا معنى إرسال الجنود إلى الحرب». ثم أخرج من جيبه دبوساً مغلفاً في محفظة مطبوع عليها شعار الخروج من لبنان سالمين. كان إبنه يتقلد هذا الدبوس عندما قتل. وكتب أهارون رسالة إلى إبنه في ذكرى وفاته السابعة تبدو وكأنها جزء من الرواية: عزيزي نوعم: منذ أكثر من سبع سنوات لم نلتق. ورسائلنا إليك، ذات الاتجاه الواحد، تأخذ بالتباعد الواحدة عن الأخرى. أما هذه فرسالة خاصة، إذ إن آخرين سيقرأونها، خلافاً للرسائل السابقة. في 16/6 اجتزنا يوم مولدك. بصمت. بصمت. بلا كعكة. ومن دون هدية. وكعادتنا ذهبنا مع أمك لزيارة قبرك، وهو في واقع الحال المكان الوحيد الذي لم يكن يفترض بك أن تكون فيه. كان ينبغي أن تكون الآن ابن 29، لو أن، لو أن... يذهب العقل إلى التفكير في ما كان يمكن وما كان ينبغي أن يحصل لو أن... أعود إلى ذاك اليوم الفظيع المرة تلو الأخرى، عشية ذكرى الكارثة. بعد خمسة أيام كنت ستكون حراً. كانت نهاية الخدمة العسكرية. نهاية الكابوس اللبناني. أمك أعطتك دبوس شعار أربع أمهات – للخروج بسلام من لبنان – قبل أن تغادر البيت. نحن بيت علماني، ومع ذلك، ومن قبيل الحجاب أو الصلاة التي ترافقك، أعطتك هذا الدبوس على رغم أنك قلت إنك لن تصعد هذه المرة. بعد موتك، تبينت صورة مغايرة. كنت صعدت من منطلق الواجب تجاه رفاقك. لم تكن ترغب في أن تبقى مديناً. فالعبء يجب أن يتوزع بالتساوي. على الأقل داخل الوحدة. لم تؤمن بالحاجة الى البقاء في لبنان. وقد أوضحت ذلك جيداً للقادة حين أصررت على حقك في حمل الدبوس قبل خروجك إلى المهمة الأخيرة: الحق في التظاهر في سبيل رأيك، حتى ضد القواعد. وغلبتهم، إذ ماذا...؟ أكانوا يتنازلون عنك...؟ المقاتل الأكثر خبرة في الوحدة؟ فليتظاهر كما يشاء! وهكذا خرجت وقدت القوة الى سفوح جبل البوفور بمهنية، بتفكر. والدليل – هم لم يصابوا، أحد لم يصب بأذى، باستثنائك. بعد بضعة أيام من ذلك أعاد لنا قادتك الدبوس الذي نزعوه عن بزتك المضرجة بدمائك، والكاميرا المصابة التي حملتها معك، والتي هي أيضاً أعطيتك إياها قبل خروجك الأخير، كي تخلّد آخر أسبوع لخدمتك. ومع هذه الصورة التي لك، صورة الفتى المبتسم، غير الهيّاب، المفعم بالحيوية والحكمة، محب السلام والمتظاهر في سبيله، خرجنا الى الجمهور. في البداية وحدنا، وبعد ذلك في منتدى العائلات كي نثبت – ويظهر أن هناك حاجة للإثبات، إذ إن هذا ليس مسلّماً به بالنسبة الى كثر – أن قدسية الحياة ليست مجرد عبارة فارغة. قلنا: تصوروا بأنفسكم ماذا انقطع بوفاة نوعم، أي طاقة كامنة لم تتحقق. وضاعفوا هذا بمئات وآلاف القتلى الآخرين الذين ماتوا قبل أوانهم، إذ إن الحرب مستمرة، وزعماء الطرفين ينقصهم الخيال، الشجاعة، الجسارة، الرؤيا، المسؤولية، لوضع حد للنزاع المجنون. أصبحت بالنسبة إلي رمزاً في هذا الكفاح الذي لا ينتهي من أجل السلام. فأنا أروي عنك، أكتب إليك وأرسمك. لا أنساك للحظة. أحاول أن أحمل الآخرين على التماثل مع صورتك ومع ألمي كي أزيحهم عن عدم الاكتراث. غير أنه ليس خيال المقربين منك هو وحده ما أشعلت، الضحية الأخير لليوبيل الذهبي للدولة. رون ليشيم عرض قصة صورتك وسقوطك في كتابه على أساس القصة المثيرة لشاب عرفك في أيامك الأخيرة ورافقك في العملية التي لم تعد منها. من المذهل كيف أنك في هذا الوقت القصير أسرت قلوب الجنود وجعلتهم يضعون صورتك كقيمة رائدة في تجربة حياتهم في خدمتهم العسكرية. وفي هذه الأيام تماماً، يبدو وكأن كل ما شهدناه وعرفناه عن تلك الحرب الغبية، حرب لبنان، قد نسي وكأنه لم يكن. مرة أخرى طبول الحرب، مرة أخرى التفكير البدائي بأن القوة ستفعل كل شيء. مرة أخرى يضحّون بحياة الناس بسهولة لا تطاق. هاك يا بني، أنت ترى، كفاحنا المشترك لم ينته. سأعود إليك المرة تلو الأخرى كي أستمد منك القوة النفسية. بإخلاص، بحب بلا حدود. أبوك». تقارب الرواية الحرب في شكل عام ولكنها تسلط الضوء خصوصاً على الحرب الإسرائيلية مع جوارها. هناك حيث يبدو البشر مشاريع أبدية للموت، هم الذين يقوم عيشهم على ترقب الموت كل لحظة. الحياة ها هنا ليست ناجزة. إنها قيد الدرس. هي لحظات متقطعة من الانتظار والشوق والأمل واليأس. الموت يخيم ويمكن أن يطل في أي لحظة. يقوم الناس العاديون، مثلهم مثل جنود رون ليشيم، بتبديد الوقت بأي شيء. الجنود يقتلون ويقتلون. كتب قائد المجموعة ليزار في يومياته: في إحدى إجازاتي سألتني ليلى عن قلعة الشقيف. من الصعب وصف الوضع هنا. يجب أن يعيش المرء هنا كي يعرف ما هي القلعة وما هو العيش فيها. يضطر الجنود إلى نزع الإنسانية عن المقاتلين الأعداء من أجل قتلهم غير أنهم يتجردون من إنسانيتهم هم أنفسهم في نهاية الأمر. يحاول الروائي أن يبلغ القارئ رسالة بسيطة فحواها أن الحرب بشعة وقاسية ليس لأنها تقتل العدو بل لأنها تقتل الإنسانية في الجنود أيضاً. هذه هي الرواية الأولى لرون ليشيم الذي ولد عام 1976. نالت الرواية أكثر من جائزة وحولت إلى عمل سينمائي أخرجه جوزيف سيدار.