ما كان قادة الجيش الإسرائيلي يخشونه قد وقع. ولذلك فهم غاضبون على الإدارة الأميركية. فمنذ تدفق عشرات ملايين المصريين إلى الشوارع، في 30 حزيران(يونيو)، واعتقال الرئيس محمد مرسي، يحذر القادة الإسرائيليون الحلفاء في واشنطن من أن الانحياز لصالح الإخوان المسلمين سيسفر في نهاية المطاف عن موجة كراهية ضد أميركا والغرب كله وإسرائيل بشكل خاص وأن هذه الكراهية ستتحول في وقت قصير إلى عمليات عدائية لا يتحمل نتائجها إلا إسرائيل. وها هي اليوم ترى دليلاً على ذلك، من خلال تصعيد العمليات المسلحة ضد الجيش المصري في سيناء. ويرى الإسرائيليون أن هذه العمليات تقترب أكثر فأكثر من الحدود الإسرائيلية- المصرية. وفي ليلة الأربعاء الخميس تم القبض على مجموعة من المسلحين الفلسطينيين الذين اعترفوا حال ضبطهم بأنهم كانوا يعدون لعملية ضد إسرائيل. وكان مسؤول أمني كبير سافر إلى القاهرة، يوم الاثنين الماضي، واجتمع مع قادة الجيش والمخابرات المصريين، تحت غطاء «التنسيق». ولكن أوساطاً إسرائيلية أكدت أن المسؤولين من الطرفين تبادلا المعلومات حول الأوضاع في سيناء وفي قطاع غزة. ولم يكن صدفة أن مكتب رئيس الحكومة الإسرائيلية أصدر في يوم الاجتماع نفسه تعليمات صارمة للمواطنين الإسرائيليين الذين يسوحون في سيناء بالعودة فوراً لإسرائيل ودعوة المواطنين الإسرائيليين الذين خططوا للاستجمام في شرم الشيخ وطابا ودهب وغيرها من منتجعات سيناء إلى أن يلغوا مخططاتهم. الإسرائيليون قلقون من التطورات في مصر ويعتقدون بأن إطلاق عمليات تفجير ضدهم هي مسألة وقت لا أكثر. لكن الجديد في الأمر، أنهم يحملون إدارة الرئيس باراك أوباما ورفاقه في أوروبا مسؤولية هذه الأخطار. ويقولون صراحة إن سياسة أوباما المتحيزة للإخوان ستدفع المصريين إلى موقف عدائي لإسرائيل. وعندما أطلقت إسرائيل حملتها الديبلوماسية الدولية للترويج لموقفها الداعي الى دعم الجيش المصري في حربه على الإخوان المسلمين، كانت اجهزة الأمن الإسرائيلية تدرس مختلف السيناريوات المتوقعة في سيناء. وفي أعقاب قتل خمسة وعشرين جندياً مصرياً في كمين في سيناء، رسم الإسرائيليون سيناريوات لاحتمال تنفيذ عملية مشابهة لسياح اسرائيليين في سيناء، أو لاحتمال تجاوز الحدود وتنفيذ عملية داخل البلدات الإسرائيلية أو ضد دوريات الجيش المنتشرة على طول الحدود. وقد بلغ الوضع حداً، شكل فيه جهاز الأمن العام «الشاباك» وحدة خاصة لضمان كشف تحركات هذه التنظيمات وإحباط عمليات لها قبل تنفيذها، وقبل ان تتحول سيناء الى جبهة حرب جديدة لإسرائيل، بعد الحدود الشمالية (من لبنان وسورية)، والجنوبية (قطاع غزة). وخلافاً لاتفاقية السلام بين البلدين وافقت اسرائيل للجيش المصري على ادخال طائرات اباتشي وكتائب مشاة، في المنطقة المحرمة والمنزوعة الأسلحة، التي لم يدخلها اي من جيشي الطرفين منذ توقيع الاتفاقية. غضب وبلبلة الحملة الإسرائيلية الدولية ضد الموقف الأميركي والغربي تجاه مصر أغضبت الإدارة الأميركية. وخلقت بلبلة في البلدين. وأحدثت نقاشاً اسرائيلياً داخلياً بين مؤيد لها باعتبار ان الجيش المصري قادر على منع التسيب الأمني في سيناء وقادر أيضاً على تشجيع التسيب الأمني وتحويل المنطقة الى مرتع للتنظيمات الإرهابية، ومعارض يعتبر التصريحات العلنية والضغوط الإسرائيلية على اوروبا وأميركا لدعم الجيش المصري هي سلاح ذو حدين وقد يسيء إلى القيادة المصرية ويظهرها متعاونة مع اسرائيل. وفي الحالين، هناك نتيجة واحدة: المصريون سيحاولون الظهور غير خاضعين للضغوط الأميركية، فيروجون أن الإخوان هم جزء من المخطط الغربي الاستعماري. ولكي يكون موقفهم هذا نظيفاً، ينبغي مهاجمة اسرائيل. الموقف الداعم للحملة الإسرائيلية انطلق من ان وجود الإخوان المسلمين في مصر متحالفين مع تنظيمات وحركات اسلامية متطرفة قد يشكل تهديداً لاتفاقية السلام، التي تم توقيعها عام 1979، ويستذكر الإسرائيليون عملية اغتيال الرئيس المصري أنور السادات. فيما الرافضون لها لا يستبعدون ان تدفع اسرائيل ثمناً باهظاً في حال حقق الجيش المصري نجاحاً وجعل مصر دولة مستقلة، فالتوقعات الإسرائيلية ان يطالب اي نظام قريب من الجيش ومعارض للإخوان المسلمين بإلغاء اتفاق السلام، وأن عبد الفتاح السيسي، سيكون مضطراً في نهاية المطاف الى الاستجابة لمطلب كهذا. ويدعو هؤلاء متخذي القرار الى الصمت ويرون ان مقابل الدول الأوروبية والولاياتالمتحدة، هناك مصلحة أمنية صرفة في استقرار النظام في مصر وفي الحفاظ على العلاقة التي تطورت مع قيادة الجيش المصري. فهكذا فقط سيكون ممكناً مواصلة الصراع ضد الإرهاب في سيناء. وزير الدفاع السابق، بنيامين بن اليعازر تناول الموضوع تحت عنوان «مهزلة القدر»، وراح يناقشه من خلال قرار المحكمة بالإفراج عن الرئيس حسني مبارك وقال:» خلافاً لما يميل بعض الناس الى التفكير به فإن مبارك لم يكن مؤيداً لإسرائيل. لقد كان أولاً وقبل كل شيء وطنياً وقومياً مصرياً فخوراً. حرص على مصلحة ابناء شعبه وبلاده وأعتقد بأن السلام مع إسرائيل جيد لمصر». النصائح الأميركية ... قبلة موت ويضيف «مبارك، استناداً الى معرفتي له، قدر اسرائيل جداً. قدر قوتها وأهميتها كجهة استقرار في الشرق الأوسط، ولكن كل شيء كان من زاوية نظر المصالح المصرية. يكون مخطئاً من يعتبر ان الديموقراطية في مصر ادت الى صعود الإخوان المسلمين، لقد أدت إلى صعود المتطرفين من الإخوان المسلمين. ولو ان السيسي لم يتخذ خطوات كاسحة خلال فترة قصيرة لأصبح النظام في مصر شبيهاً بالنظام الإيراني، فيما الحدود مع اسرائيل ستتحول الى مرتع لحراس ثورة بصيغة مصرية». في ندوة عقدت في تل ابيب لمناقشة الموقف من الأوضاع في مصر، رأى المستشرق اشر سيسر، ان الحاجة تتطلب دحر الإخوان المسلمين وعدم افساح المجال لعودتهم الى الحكم، وبرأيه فإن هؤلاء، بفكرهم وممارساتهم يقيمون البنى التحتية لسيطرة تنظيمات القاعدة والجهاد العالمي. وقال:» بدلاً من الهجوم على الجيش المصري كان يجب أن تتم مساعدته على مجابهة الأوضاع بالطرق السليمة. فهذا الجيش والشرطة معه لا يتمتعان بالخبرة الكافية لتفريق تظاهرات بالطرق السلمية. وكان يجب على الأميركيين والأوروبيين أن يساعدوهما بتوفير وسائل حديثة لتفريق التظاهرات بلا سفك دماء وتوفير الدعم المالي والترشيد لخلق فرص عمل للشباب». وبرأي سيسر فإن الصراع في مصر والعالم العربي اليوم لا يدور بين أنصار الديموقراطية وأعدائها، بل بين القوى العصرية التي تريد النهوض بالمجتمعات العربية نحو الحداثة وتطوير العلوم وضمان الحريات والازدهار الاقتصادي وبين قوى الإسلام السياسي التي تريد شد العالم العربي إلى الوراء نحو التخلف ودوس حقوق المرأة وضرب عدالة القضاء، كما فعل الرئيس المنتخب محمد مرسي». اما رون بن يشاي، المستشار الإعلامي للرئيس الإسرائيلي السابق، موشيه كتساف، والناطق الرسمي السابق للجيش الإسرائيلي، فوصف السياسة الأميركية ب«الغرور والغطرسة» وقال إنها تظهر أميركا كدولة فاقدة للصدقية وغير مخلصة في نظر حلفائها وفاشلة، وقال:» ان الإدارة الأميركية والرئيس باراك اوباما يتشاطران على حلفاء واشنطن وتطلق نصائح تبدو مثل قبلة الموت» ورأى بن يشاي انه كان يتوجب على الإدارة الأميركية، اعداد خطة مساعدات طارئة لمصر، مثل خطة مارشال التي أقرتها الولاياتالمتحدة لحلفائها الأوروبيين بعيد الحرب العالمية الثانية، تؤدي إلى إعادة المستثمرين لمصر وتساعد في إعادة سيادة القانون والنظام في الشارع. الى جانب مواصلة التعاون الأمني الى جانب التعاون السياسي، بقدر الإمكان، على ان لا يكون أي تدخل في الأوضاع الداخلية. وكشف بن يشاي، أن الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس، مارسا ضغوطاً شديدة على رئيس الحكومة الإسرائيلي، أرئيل شارون، قبل عشر سنوات، لكي يتعاطى بشكل إيجابي مع حركة حماس في الوقت الذي كان فيه شارون يجتاح أراضي السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية ويحاصر الرئيس الفلسطيني، ياسر عرفات، في مقره في المقاطعة. وفي سنة 2009، تعامل أوباما باعتدال وحذر مع نظام الحكم الإسلامي الشيعي في إيران، وهو يقمع بيد من حديد تظاهرات الشباب في الشوارع، ولكنه عندما اهتز نظام حليفه حسني مبارك، راح يمارس الضغوط عليه لكي يستقيل ويسلم الحكم لألد خصومه.