لم يكن إسم المرشد الجديد ل «الإخوان المسلمين» في مصر الدكتور محمد بديع مطروحاً أمام وسائل الإعلام بدرجة كبيرة على رغم مكوثه داخل أعلى سلطة تشريعية في الجماعة (مكتب الإرشاد) طيلة 17 عاماً. لكن على رغم بقائه دائماً في الظل، إلا أن أحداً من قادة الجماعة لم يتجاهل قوته نظراً إلى تاريخه الطويل فيها وتأثيره البالغ على طريقة صنع القرار في أقوى جماعات المعارضة في مصر. وصعد اسم بديع بقوة إلى واجهة المشهد «الإخواني» خلال الأسبوع الماضي، متخطياً شخصيات كانت أكثر حضوراً بالنسبة إلى الإعلام، ليصبح ومن دون مقدمات كثيرة المرشد الثامن للجماعة. ويسود اعتقاد بأن بديع يُعد من أكثر القيادات الحالية ل «الإخوان» اقتراباً من أفكار سيد قطب، فقد تربى على كتبه وأفكاره. غير أنه سعى، كما يبدو، إلى تغيير تلك الصورة أمام الرأي العام في أثناء المؤتمر الصحافي الذي عقد أمس لإعلان تنصيبه، عندما أكد مبادئ عدة اعتبرها منهاجاً لجماعة «الإخوان» لا تتغيّر بتغيّر الأشخاص. وشدد على أن دعوة الجماعة وحركتها «سلسلة متصلة الحلقات يبنى فيها اللاحق على جهود السابق». واكد أن جماعته «تؤمن بالتدرج في الإصلاح، وأن ذلك لا يتم إلا بأسلوب سلمي ونضال دستوري قائم على الإقناع والحوار وعدم الإكراه». ربما أراد بديع طمأنة من يرتابون في «الحرس القديم» أو من يطلقون عليهم صفة «رجال النظام الخاص». وعلى رغم أن هيئته تستدعي إلى الذاكرة صورة الواعظ التقي، إلا أن ملامحه لا تخلو من الجدية، وهو بدا مبتسماً طوال المؤتمر في مواجهة الصحافيين. حرص بديع على الرد على التحليلات التي ذهبت إلى أن انتخابه مرشداً يعني خروج «الإخوان المسلمين» من الحياة السياسة وتفرّغ الجماعة إلى العمل الدعوي بعد تعزيز الجناح المحافظ من سيطرته على مقاليد الأمور، إذ أكد أن مشاركة «الإخوان» في العمل السياسي «واجب يمليه عليهم فهمهم لدينهم وإخلاصهم لوطنهم». ولد محمد بديع عبدالمجيد سامي في المحلة الكبرى العام 1943 والتحق بكلية الطب البيطري في جامعة القاهرة العام 1960 ثم تخرج ليعمل معيداً في كلية الطب البيطري جامعة أسيوط العام 1965. لكن تلك الأعوام شهدت تحولاً في مسار حياته بعدما تعرف العام 1959 إلى أحد أعضاء «الإخوان» السوريين الحمويين، وهو الدكتور محمد سليمان النجار الذي دعاه إلى الانضمام إلى الجماعة، فتحمس الشاب للفكرة على رغم أجواء الخوف التي كانت تثار عند ذكر كلمة «الإخوان» وقتذاك. وقبض على بديع في عهد الرئيس الراحل جمال عبدالناصر في القضية العسكرية الشهيرة التي كان نجمها القيادي الأصولي سيّد قطب. وقضى بديع تسع سنوات في السجون وحتى العام 1974. وسريعاً ما اندمج في حياته العلمية حتى حصل على ماجستير الطب البيطري في جامعة الزقازيق العام 1977، وأصبح مدرّساً مساعداً فيها قبل أن يسافر إلى اليمن. وعاد بديع إلى السجن مرة أخرى العام 1998 في قضية «جمعية الدعوة الإسلامية» في بني سويف التي أنشأها القيادي «الإخواني» في حينه حسن جودة، وتولى بديع رئاسة مجلس إدارتها، وظل معتقلاً لمدة 75 يوماً. بعدها بنحو عام اعتُقل بديع مجدداً على ذمة قضية عُرفت ب «النقابيين» وحكمت المحكمة العسكرية عليه فيها بالسجن لمدة خمس سنوات قضى منها ثلاث سنوات وثلاثة أرباع السنة وخرج العام 2003. ولفت عضو مكتب الإرشاد في الجماعة الدكتور عصام العريان الذي لمع اسمه مع التغيّرات التي طرأت على المستويات القيادية للتنظيم أخيراً، الى أن بديع التحق ب «الإخوان» قبل سيد قطب بسنتين وأنه حظي في السنوات الأولى للثورة بتقدير من الضباط الأحرار إلى أن تم سجنه. ورفض العريان في شدة تفسير انتخاب بديع على أنه عودة إلى سيطرة «النظام الخاص» على مقاليد الأمور في الجماعة، لافتاً إلى أن التنظيم اعتمد كتاب «دعاة لا قضاة» كوثيقة أساسية، وهو الكتاب الذي وضعه قادة «الإخوان» داخل السجن وتضمن ردوداً وتفنيداً لأحكام سيد قطب.