تلاشت فرصة إبرام تسوية سياسية قريبة للأزمة المصرية كانت تصريحات لوزير الدفاع الفريق أول عبد الفتاح السيسي فتحت الباب أمامها، بعد إعدام مسلحين 25 جندياً أمس في سيناء رمياً بالرصاص بعد ساعات من مقتل 37 سجيناً من أنصار «الإخوان» لقوا حتفهم اختناقاً خلال ترحيلهم من النيابة إلى سجن. وفي وقت يجتمع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي غداً لدرس خطوات تصعيدية ضد مصر، بينها حظر مقترح للسلاح ووقف للمساعدات، عبّرت السعودية عن استيائها من الموقف الدولي تجاه مصر. وتلقى ولي العهد السعودي نائب رئيس مجلس الوزراء وزير الدفاع الأمير سلمان بن عبدالعزيز اتصالاً هاتفياً أمس من وزير الدفاع المصري. وأعرب السيسي خلال الاتصال، بحسب وكالة الأنباء السعودية، عن «بالغ الشكر وعظيم الامتنان لخادم الحرمين على مواقفه المساندة والداعمة لمصر وشعبها، خصوصاً ما ورد في تصريحه الأخير من حرص على استقرار مصر وأمنها وسلامتها». وشدد وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل في تصريحات نقلتها «وكالة الأنباء السعودية» بعد عودته من فرنسا أمس، على أن «الأمة العربية ترفض التلويح بوقف المساعدات عن مصر»، لافتاً إلى أن «الأمة العربية والإسلامية غنية بأبنائها وإمكاناتها ولن تتأخر عن تقديم يد العون لمصر، فمصيرنا واحد وهدفنا واحد، فكما تنعمون بالأمن والهدوء والاستقرار فلا تستكثروا علينا ذلك». وقال إن «المواقف الدولية إذا استمرت فلن ننساها في المملكة ولن ينساها العالم الإسلامي والعربي، وسيوصم هذا الزمان بأنه الزمان الذي انتهكت فيه الحقوق وبررت تبريرات واهية... ولن نأخذ من يتجاهل هذه الحقائق وينساق وراء الدعايات والأكاذيب الواهية بأنه حسن نية أو جهالة، وإنما سنأخذها على أنها مواقف عدائية ضد مصالح الأمتين العربية والإسلامية واستقرارهما». ودعا «كل الدول التي تتخذ هذه المواقف السلبية تجاه مصر إلى أن تعلم أن السعير والخراب لن يقتصر على مصر وحدها، بل سينعكس على كل من ساهم أو وقف مع ما ينالها من مشاكل واضطرابات تجري على أرضها اليوم». وشدد على أن «الدول العربية لن ترضى مهما كان بأن يتلاعب المجتمع الدولي بمصيرها أو أن يعبث بأمنها واستقرارها، وأتمنى من المجتمع الدولي أن يعي مضامين رسالة خادم الحرمين الشريفين بأن المملكة جادة ولن تتهاون في مساندة الشعب المصري لتحقيق أمنه واستقراره». وكان مسؤولون أوروبيون عقدوا اجتماعاً طارئاً أمس في بروكسيل للبحث في كيفية التعامل مع الأزمة المصرية، وقرروا عقد اجتماع لوزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي غداً لمناقشة سبل الضغط على القاهرة. وكشف المبعوث الأوروبي إلى جنوب المتوسط برناردينو ليون الذي كان توسط بين الأطراف في القاهرة أن الوزراء قد يناقشون خيار فرض حظر سلاح على مصر. وقال: «لم تستبعد أي خيارات وعلى الاتحاد أن يقرر كيفية ممارسة الضغط» على القاهرة. وأضاف: «يدرس وزراء الخارجية احتمالات مختلفة في هذه المرحلة وأعلم أن هذا (حظر السلاح) أحد الخيارات». وكشف ديبلوماسيون أن حكومات أوروبية تدفع باتجاه خفض المساعدات للقاهرة أو إلغائها، فيما تتردد حكومات أخرى في اتخاذ خطوات قد يكون تأثيرها على الشعب أكبر من تأثيرها على الحكومة. وفي واشنطن، دعا وزير الدفاع الأميركي تشاك هيغل السلطات المصرية أمس إلى تبني «اعتماد نهج جامع لتحقيق المصالحة». وكان مسلحون استوقفوا أمس حافلتين صغيرتين تقلان 25 جندياً من قوات الأمن المركزي في طريقهم إلى معسكرهم قرب رفح في شمال سيناء، وأنزلوا الجنود وأوثقوا أياديهم خلف ظهورهم ليطلقوا النار عليهم من أسلحة آلية فأردوهم قتلى. واعتبرت وزارة الداخلية في بيان الحادث «استمراراً للجرائم الإرهابية التي ترتكبها الجماعات المسلحة في شمال سيناء والنَيل من رجال الشرطة الذين يؤدون واجبهم بكل أمانة وبسالة». وأوضح مسؤول أمني ل «الحياة» أن جثث الجنود «مصابة بالرصاص في مناطق متفرقة من الجسد، ما يعني أنه تم إطلاق الرصاص من أسلحة آلية عشوائياً». ولفت إلى أن «أيادي الجنود كانت موثقة خلف ظهورهم». واستنفرت العملية قوات الجيش والشرطة المنتشرة في مدن شمال سيناء فنشرت المكامن والدوريات المتنقلة في مسعى منها لتوقيف منفذي الهجوم. وأعلن الناطق باسم الجيش توقيف «ثلاثة من العناصر الإرهابية المسلحة المتهمين بالهجوم على مبنى الرقابة الإدارية في مدينة العريش وقتل أحد جنود القوات المسلحة، إذ عثر في حيازتهم على بندقية آلية مزودة بكاتم صوت وتليسكوب للتنشين، وكميات من الذخائر»، وفقاً لبيان رسمي. وزادت العملية من سخط الشارع على جماعة «الإخوان»، إذ رُبط بين العمليات المسلحة في سيناء وتصريحات القيادي البارز في الجماعة محمد البلتاجي الذي كان قال إن الهجمات في سيناء «ستتوقف في اللحظة التي يعود فيها الرئيس مرسي». لكن الجماعة تبرأت من الحادث ورأت أنه «مدبر». وقال الناطق باسم «الإخوان» أحمد عارف إن مقتل الجنود «قد يكون للتغطية» على مقتل 37 متهماً من أنصار الجماعة أثناء ترحيلهم إلى سجن أبو زعبل. وكان السجناء ال37 قتلوا في ظروف غامضة خلال ترحيلهم من مقر نيابة مصر الجديدة إلى سجن أبو زعبل في محافظة القليوبية لتنفيذ قرار النيابة بحبسهم، بعدما أحدثوا حالاً من الشغب في سيارة الترحيلات التي كانت تُقلهم في محاولة للفرار، بحسب وزارة الداخلية التي قالت في بيان إن الشرطة أطلقت قنابل الغاز المسيل للدموع على السجناء للسيطرة عليهم بعدما احتجزوا ضابطاً من قوة التأمين نجح زملاؤه في تحريره بعد الاعتداء عليه. وأثار الحادث ردود فعل غاضبة في الأوساط السياسية ومطالب بتحقيق جدي فيه. وأظهرت تحقيقات النيابة أن 612 من أنصار «الإخوان» المحبوسين على ذمة أحداث واشتباكات ميدان رمسيس «حاولوا الفرار، ما أسفر عن مقتل 36 متهما خلال مواجهات مع الشرطة». وارتفع العدد لاحقاً إلى 37. وذكرت التحقيقات أنه «عقب دخول سيارات الترحيلات من بوابة سجن أبو زعبل حدثت حال من الهرج والمرج داخل إحدى سيارات الترحيلات وفيها ما يقرب من 45 سجيناً، وعندما توجه على الفور أحد الضباط المكلفين بتأمينها لاستطلاع الأمر قام المتهمون بجذبه إلى داخلها واحتجازه والاعتداء عليه بالضرب، في محاولة منهم للفرار». وقالت وكالة «أنباء الشرق الأوسط» الرسمية إن «التحقيقات أوضحت أن قوات التأمين حاولت إخراج الضابط إلا أن السجناء رفضوا إخراجه وقاموا بمواجهة القوات التي قامت على الفور بإطلاق قنابل الغاز المسيلة للدموع لتحرير الضابط والسيطرة على السجناء وإحباط محاولة هروبهم، ما أسفر عن مقتل 36 سجيناً اختناقاً جراء استنشاقهم الغاز المسيل للدموع». وظهر أن حادثي سيناء وسجن أبو زعبل عززا من فرص الصدام بين الحكم و «الإخوان» وقضيا على فرص كانت بدت في الأفق بعد كلمة السيسي التي أكد فيها أن «مصر تتسع للجميع» ودعا أنصار مرسي إلى «مراجعة مواقفهم». وواصلت قوات الأمن تنفيذ حملات الاعتقالات في صفوف قيادات «الإخوان» الإقليمية، وألقت القبض على عدد من قادة الجماعة في محافظات عدة، بينهم الابن الأكبر لمرشد «الإخوان» بلال محمد بديع الذي أوقف في بني سويف. واتهم مجلس الوزراء «الإخوان» ب «التصعيد لزعزعة الأمن والاستقرار». وقالت وزارة الداخلية إنها «ماضية في مواجهة الإرهاب». وكان القيادي في «الجماعة الإسلامية» المنحرطة في «تحالف دعم الشرعية» الذي تقوده «الإخوان» محمد ياسين كشف ل «الحياة» إن قيادات في التحالف تلقت اتصالات من وزراء في الحكومة طرحوا مبادئ وأفكاراً عامة لحل الأزمة دفعت تياراً في التحالف إلى تبني نهج المصالحة «لكن للأسف جاء حادث سجن أبو زعبل ليُعقد الأمور وجعل الغلبة لرافضي المصالحة ولمصلحة الاستمرار في المواجهة حتى النهاية». وواصل أنصار «الإخوان» التظاهرات في القاهرة والمحافظات. ودعا «تحالف دعم الشرعية» إلى تظاهرات أمس خرجت من مساجد عدة في القاهرة والجيزة، لكن لم يتم تحديد وجهة لها. ولم تعد تظاهرات أنصار مرسي تلقى صدى يذكر في ظل تشديد إجراءات حظر التجوال الذي يبدأ في السابعة مساء. لكن التحالف دعا إلى تظاهرات ليلية في مدن في الصعيد.