خبر مفرح للسعوديين حينما تقارن اقتصادها بدول متقدمة صناعياً واقتصادياً مثل الصين. ووفق التقارير المصرفية التي نشرت، تفيد أن النمو الاقتصادي حقق نمواً أسرع بكثير مما كانت تشير إليه التقديرات في الأعوام الماضية، وقال تقرير مصرفي صدر عن بنك الكويت الوطني إن معدلات النمو قاربت نمو الاقتصاد الصيني تقريباً، وحينما تتم مقارنة دولة نامية بأخرى متقدمة ومتعددة الدخل، فهذا يعني أن انعكاس ذلك النمو على المواطن واعتباره جزءاً من التنمية الاقتصادية فتتحسن مستوى معيشته ورفاهيته والخدمات المقدمة له من مؤسسات الدولة، كونه مساهم فعال في الناتج المحلي، وشريك استراتيجي في بناء مجتمعه. وفق التقرير الذي نشر حول آفاق الاقتصاد السعودي للعامين المقبلين تضمن أن متوسط نمو الناتج المحلي غير النفطي في السعودية بالأسعار الثابتة بلغ 8 في المئة سنوياً منذ 2005 وحتى العام الماضي، مقارنة مع متوسط 5 في المئة بين 2005 و2011. ورفع التقرير من توقعاته لنمو الناتج المحلي الإجمالي غير النفطي للعامين 2013 و2014 من 5 في المئة إلى 6 في المئة سنوياً مقارنة مع 7.1 في المئة في العام 2012، وستشكل الدوافع الأساسية للنمو من خلال الاستثمار المتوقع في قطاعي الإسكان والصناعة، إضافة إلى زيادة التوظيف الذي يفيد القطاع الاستهلاكي. وإذا ما أمعنا النظر في قطاع الإسكان لا يمكن التنبؤ بمستقبله، خصوصاً وأنه يواجه غموضاً شديداً حول المشاريع التي تم اعتمادها، فمصير 500 ألف وحدة سكنية لا يزال مجهولاً من حيث المدة وخطط التنفيذ، فيما تواجه وزارة الإسكان وصندوق التنمية العقارية مشكلة بناء المنازل. أما الأخرى فهي لا تزال تائهة إن كانت ستدفع مبلغ القرض للمواطن أو أنها تشتري له المنزل بالقيمة نفسها، بينما في الواقع أن الصندوق يطلب من المستفيدين البحث عن منزل بمواصفات محددة بالقيمة نفسها، وأسهم هذا في زيادة أسعار العقار وخصوصاً شقق التمليك، فهذا يعني إمكان تملك منازل لذوي الدخل المحدود تبدو مستحيلة، ويؤدي ذلك في الأخير إلى تباطؤ في تحسين مستوى دخل الفرد. اعتماد السعودية على النفط وعدم دعمها بقوة لقطاع الصناعات المختلفة وتعدد دخلها، سيبقى محل مخاوف من ارتفاع أو انخفاض أسعار النفط في الأسواق العالمية، لأنها تنعكس عليه محلياً، فالسوق السعودية استهلاكية وتستورد حاجاتها كلها من الخارج، وترتبط عملتها بالدولار الأميركي. مؤشر النمو الاقتصادي السعودي على أنه يقترب من النمو الاقتصادي الصيني، بالتأكيد سيكون خبراً ساراً فيما أيضاً تهيأت له الإمكانات للاستفادة من هذا النمو. والاقتصاد الصيني غير مستقر، وغير متوازن، وغير منسق، وغير مستدام، وهذا الكلام على لسان رئيس مجلس الدولة السابق ون جيا باو وفق تقرير أعده الصحفيان أندرو شنغ وشياو جينغ نشر قبل يومين في صحيفة الاقتصادية بعنوان: «الصين تنمو إلى الأسفل». ووفق التقرير، فإن الاقتصاد الصيني لأكثر من ثلاثة عقود ظل الناتج الإجمالي بنمو بمتوسط يتجاوز 10 في المئة سنوياً، وهو ما يسلط الضوء على التكاليف الاقتصادية والاجتماعية والبيئية الكثيرة والتحديات التي صاحبت هذا النمو، والآن يتعين على الصين أن تختار بين نموذج النمو القائم على التصدير والمدفوع بالاستثمار في الماضي، وبين نظام اقتصادي جديد وأكثر قدرة على الاستمرار. ويمضي التقرير ليضيف «كان الائتمان الرخيص والحوافز الضارة مثل ترقية المسؤولين الذين يساهمون بأكبر قدر في نمو الناتج المحلي الإجمالي من الأسباب التي أدت إلى توافر استثمارات ضخمة ولكنها زائدة عن الحاجة، وهو ما أسهم بدوره في زيادة القدرة الفائضة في قطاعي التصنيع والبنية الأساسية. ولا يتسم هذا النموذج بعدم الفعالية فحسب؛ بل إن توجيه موارد الحكومة نحو دعم الاستثمار يعمل أيضاً على تقويض التنمية الاجتماعية في الصين». المقالة طويلة وفيها الكثير من الأسباب التي جعلت تراجع النمو الاقتصادي خلال العقود الماضية، وإذا ما كانت الصين، وهي الدولة الصناعية الرابعة في العالم تعاني مثل هذه المشكلات وهي التي قطعت شوطاً كبيراً لمواجهة القوى الاقتصادية العالمية، فكيف سيكون حال النمو الاقتصادي في بلد مثل السعودية تعتبر ناشئة في المجالات كافة سواء في التعليم أم التدريب المهني، وحتى في دعم المشاريع المهنية والحرفية، وأيضاً في ما يتعلق برفاهية المواطن، يتطلب من المسؤولين أن يفكروا أيضاً مثل الصينيين ويخططوا مثلهم في بناء اقتصاد متعدد وقوي ولا يكتفوا بعمل مقارنات مع اقتصادات دول كبرى ومتقدمة. كسر الاحتكار، وبحسب دراسة أعدها المركز السعودي للدراسات والأبحاث تقول إن لبعض التجار في السعودية أكثر من 35 ألف وكالة حصرية، وأن 30 تاجراً سعودياً يحتكرون 45 في المئة من السلع الرئيسة في السوق السعودية، فيما تواجه الكثير من الصناعات والأنشطة التجارية قيوداً حكومية وشروطاً صعبة، فيما هناك صعوبات تواجه المستثمرين الأجانب المقيمين في البلاد، فضلاً عن الفساد المالي والإداري الذي يضرب أرجاء البلاد، وانعدام البنية التحتية في كثير من المدن إذا لم تكن غائبة، وعدم الشفافية وتباطؤ اتخاذ القرارات الجريئة لمصلحة الاقتصاد سيفقد السعودية ميزة الفرحة بأي نمو اقتصادي إذا لم يشعر به المواطن، وإلا ستكون فرحتنا على الورق. * صحافي وكاتب اقتصادي. [email protected] @jbanoon