كلما ارتفعت وتيرة الحديث عن عصمة الدماء ارتفع معدل إراقتها واستخدامها. هذه حال الإنسان العربي في عالمه البائس، دمه رخيص وحياته أرخص، وبعد جمع الجثث وتعدادها يجري تقاذف المسؤولية، وفي الصراعات السياسية البغيضة يتم العمل على «تبشيع الخصم»، الهدف أن يظهر بأبشع صورة وحشية دموية فتاكة، بلا ضمير ولا إنسانية، الغاية كسب تعاطف الرأي العام المحلي والدولي. لذلك، يرى كثرٌ من الناس المشهد مرتبكاً مختلطاً في الصراع على السلطة، مصر المنقسمة الآن ليست سوى نموذج، وتنوع وسائل الإعلام وغزارتها يتزايدان من المساهمة في عدم وضوح الصورة وفي تعمد التشويه والتشويه المضاد. في مصر، نعود إلى الوراء قليلاً قبل انفلات الفوضى وسيلان الدماء الأخير، قبل فض الاعتصام وتدخل الجيش أو الانقلاب العسكري، سَمِّه ما شئت. قبل هذا، هل كان هناك من يستطيع فعل شيء مفيد حاقن للدماء «المعصومة» ولم يفعل؟ هل كان في الإمكان لَمُّ الشمل بدلاً من الانقسام؟ هل تم التفريط بلحظة تاريخية ذهبية لا تقدر بثمن؟ نعم، كان في إمكان حزب الحرية والعدالة المصري، الذراع السياسية لتنظيم «الإخوان المسلمين» قلب الطاولة بالاستجابة - ولو جزئياً - لحشود الجماهير التي خرجت في 30 يونيو لكنه لم يفعل، هنا اللوم يقع على القيادات الفاعلة ل «الإخوان» والحزب، أما الرئيس المعزول فالأقرب أنه كان مقيّداً بسياسات الحزب والجماعة. هذا من الماضي القريب، فماذا عن المستقبل؟ هل تجوز المقامرة بالأوطان؟ هناك حزب خفي «حتى الآن» هو حزب البلطجية، أفراده هم مَن يقومون بالاعتداءات على منشآت عامة ومراكز شرطة وقتل آمنين، يجب على عقلاء «الإخوان المسلمين» التبرؤ منه والتعاون للكشف عن خلاياه ما دام التنظيم متهماً، ليس هناك حضور إعلامي فاعل لمثل هذه القيادات وبعض منها غير مطلوب أمنياً. مصر الدولة والوطن في خطر شديد، أليس هذا كافياً لتقديم بعض التنازلات من الأطراف كلها بدلاً من طريق عنف وفوضى طويل موحش لا تعرف نهايته؟ ما يعلم أن خسائره ستطاول الجميع. www.asuwayed.com