فاجأ إصدار القضاء الجزائري مذكرة توقيف دولية بحق وزير الطاقة السابق شكيب خليل المحسوب سياسياً على الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة الأوساط السياسية في البلاد التي رحبت بالقرار الذي أعلن في سياق اتهامات للقضاء بالتقصير في محاربة الفساد، لكنهم تساءلوا عن تأثير هذا التحول البارز في التعاطي مع شخصية متنفذة على مشروع استمرار حكم بوتفليقة. وتعتبر مذكرات التوقيف الدولية لخليل وزوجته وابنيه الأولى في تاريخ العدالة الجزائرية، إذ إنها تطاول شخصاً قريباً من رئيس الدولة كان حتى وقت قريب أحد رجاله الأقوياء. وتشمل مذكرات التوقيف 4 شخصيات أخرى، بينها فريد بجاوي، وهو أحد أقارب وزير الخارجية السابق محمد بجاوي، إضافة إلى مصادرة ممتلكاتهم وأرصدتهم. ويتردد اسم وزير الطاقة السابق منذ نحو ثلاث سنوات في ملفات شبهات رشى وعمولات تتعلق بصفقات نفطية بين المؤسسة الحكومية العملاقة «سوناطراك» وشركاء إيطاليين. لكن التهمة لم توجه إلى خليل أو أفراد عائلته إلا بعدما فتح القضاء الإيطالي تحقيقاً مثقلاً بالتهم لشركات إيطالية بسبب استثمارات لها في الجزائر. غير أن قراءات المراقبين في الجزائر لا تتوافق مع المسار القضائي البحت للملف، إذ تتجه غالبيتها إلى ربط بدوائر النفوذ والأجنحة التي تصنع توازنات الحكم قبل الانتخابات الرئاسية المقررة ربيع العام المقبل. وقال رئيس الجمعية الجزائرية لمكافحة الفساد جيلالي حجاج ل «الحياة»: «لا يمكن بين عشية وضحاياها أن تحاول العدالة الجزائرية الظهور بصورة الاستقلالية بمجرد إعلان جلب شكيب خليل... لو كانت هناك استقلالية أو إرادة للذهاب بعيداً في الملف لكانت العدالة استدعت المشبوهين حين ظهر الملف للمرة الأولى». ويعيش خليل وأفراد عائلته في ماريلاند في الولاياتالمتحدة كما أنهم يحملون الجنسية الأميركية، لذا بات يتوجب على القضاء الجزائري التقدم بطلب رسمي إلى الجهات القضائية الأميركية يضم شرحاً مفصلاً للأسباب والتهم التي دفعت إلى إصدار مذكرات التوقيف، إضافة إلى الأدلة المتوافرة لدى القضاء الجزائري. ويعتقد رئيس «حركة مجتمع السلم» الإسلامية عبدالرزاق مقري، أن العدالة الجزائرية «ليست جادة بالقدر الكافي في الذهاب بهذا الملف إلى نهايته». ويعتقد بأن إصدارها مذكرة التوقيف «لم يكن سوى نوع من المجاراة لنظيرتها الإيطالية بعد استشعار الحرج من إصدارها أمراً بوقف ذراع خليل الأيمن في الفساد ووسيط صفقاته مع الإيطاليين فريد بجاوي». أما عضو المكتب السياسي المكلف أمانة الإعلام في حزب «جبهة التحرير الوطني» قاسة عيسي فيبدو على يقين بأن تحرك العدالة الجزائرية «سيتوج بمحاكمة كل من تسبب أو شارك أو ساعد أو تخلى عن واجبه في محاكمة من يمس المال العام». ويتوقع مراقبون أن يؤثر بروز خليل متهماً في القضية على ما تبقى من فترة حكم بوتفليقة، إما إيجاباً بما أن الرئيس أزاح عنه حرج رجل قريب منه، وإما سلباً بما أن الصحافة تردد يومياً أن دائرة المشبوهين أوسع وتطاول دائرة اقتصادية من حاشية بوتفليقة. كما فتح قرار العدالة النقاش في شأن آليات محاربة الفساد. ومعلوم أن بوتفليقة أكد في خطاب سابق أن الدولة عازمة على «محاسبة كل من يثبت تورطه قانونياً في تبديد المال العام»، وتوعد مسؤولين بالمحاسبة «مهما كان منصبهم». ولمح حينها إلى ما يفهم أنه فساد طاول المال العام في مشاريع تتبع برنامجه الرئاسي، قائلاً: «يوجد تقصير وأخطاء رافقت إنجاز بعض المشاريع، منها ما يجد عذره لأسباب عدة ومنها ما يجب الوقوف عنده ومحاسبة المقصرين فيه مهما كانت مناصبهم».