سرعة البديهة قد تنقذ الكثيرين من حبل المشنقة، وهي هبة إلهية يختص الله بها من يشاء من عباده، ولذلك قيل رب قول أنفذ من صول، والكثير من الناس – إلا من انسطل بفعل التخمة وكثرة النوم في هذا العصر - يمتلك حضوراً ذهنياً وقوة حجةٍ وسرعة بديهةٍ تمكنه من الرد في حال تعرضه لهجومٍ لفظي أو سؤالٍ استفزازي، أو حتى مداعبة نثرية. وقد اشتهر الكثير من الناس بحضور الرد، وقوة الحجة، ونفاذ الكلمة، كالشاعر الضرير بشار بن برد والذي اعتبر سيد الرد اللاذع، وعقيل بن أبي طالب وخالد بن صفوان وغيرهم كثير. دخل رجل من المتزلفين على أحد الخلفاء العباسيين وبشار بن برد عنده، فقال: هل تعلمون ما هو النحل الذي ورد في الآية القرآنية؟! فقال له بشار: هو النحل الذي نعرفه! فقال لهم: لا، النحل هم بني هاشم! والذي يخرج من بطونها المقصود به العلم! فقال له بشار: جعل الله طعامك وشفاؤك مما يخرج من بطون بني هاشم، قم يا رجل فقد أوسعتنا غثاثة! فضحك الخليفة والحاضرون. هجا بشار المهدي فأمر بجلده علانيةً، فكانوا يجلدونه وهو يقول هس (كلمة يقولها العرب عند الألم) فقال أحد الحضور: انظروا إلى هذا الزنديق يقول هس ولا يقول باسم الله. فأجابه ساخراً تحت سياط الألم: وهل هو طعام لأسمّي عليه؟! - وكان جالساً عند الخليفة ينشده الشعر وعم الخليفة معهم - وكانت به غفلة - فسأل بشار ما صناعتك؟ فأجاب بشار: اثقب اللؤلؤ! فقال الخليفة اتهزأ بعمي؟! فأجابه وماذا تقول لمن يرى شيخاً ضريراً ينشد الشعر ويسأله عن مهنته؟! قال معاوية لعقيل بن أبي طالبٍ أنتم يا بني هاشم تصابون في أبصاركم (كناية عن ضعف النظر) فأجابه: وأنتم يا بني أمية تصابون في بصائركم! ومات أحد المجوس وعليه دين كثير، فقيل لابنه بع دارك وسدد عن أبيك، فقال: إن بعت داري وسددت عنه هل يدخل الجنة؟! فقالوا لا، فقال إذاً دعوه في النار وأنا في الدار! وقال رجل لأشعب وهو يراه يأكل من لحم جدي بشراهةٍ، أراك تأكله بنهم وكأن أمه نطحتك؟! فرد عليه أشعب وأراك تشفق عليه كأن أمه أرضعتك! البوكس [email protected]