انتهى الموسم المسرحي الرمضاني في عمّان، بعدما أصبح تقليداً منذ 13 سنة تتنافس فيه المسرحيات ذات الطابع الكوميدي، على كسب ود الجمهور ورضاه. من حيث الشكل، جاءت العروض المحلية في الموسم الرمضاني الحالي بعيدة عن البناء المسرحي، وأقرب إلى الاستعراضات الغنائية الراقصة، في حين قامت المشاركة العربية على اسكتشات تعتمد على المواقف الكوميدية الاجتماعية، المتضمّنة إيحاءات عاطفية رأى فيها معظم المشاهدين «خدشاً للحياء العام». هجاء الفساد استعاد نبيل صوالحة أجواء مسرحيته التي قدمها في عام 2007، بعنوان «رحلة منسفية»، في فندق «لاند مارك»، وهي تدعو الرأي العام والمسؤولين، وبأسلوب كوميدي راقٍ، إلى التنبّه للضرر الذي أحدثته ولا تزال ظاهرةُ الفساد التي بدت كما جاء في أحداث المسرحية منتشرة في كل القطاعات. وشاركت «رحلة منسفية» العروض الأخرى في رسائلها التي تشير إلى ثقل عبء الضرائب على فئات الشعب، وتناولت تفشي بعض السلوكيات غير المقبولة، مثل حمل عدد من النواب أسلحةً داخل جلسات البرلمان. طرحت الرؤية الإخراجية الأحداثَ وفق مبدأ القطع والمونتاج، وبما يخدم الفكرة العامة للمسرحية التي جاءت لغتها تعبيرية احتفالية، كان للغناء وفنون الرقص المختلفة دور أساس في إنشائها. البناء السطحي للحكاية كان مألوفاً في فكرته، لجهة زواج «عودة» ابن مدينة مأدبا من فتاة من رام الله وقع في حبّها، إلا أنها على مستوى التركيب كانت الذريعة لطرح حكايات لا تقل أهمية، مثل وحدة الشعبين الشقيقين، وتأثير التمايز الطبقي في شيوع ظاهرة الفقر في المجتمع. استطاع صوالحة ممثِّلاً ربطَ أجزاء المسرحية بخبرته وارتجالاته، كما برعت لارا صوالحة في أدائها حتى كادت تخطف الأضواء عن صوالحة الأب، نظراً إلى قدرتها العفوية في الرقص والغناء والتمثيل. كما استطاعت الطاقات الشابة لأحمد داوود وعلاء القيسي وخليل أبو حلتم، تقديم الشخوص المختلفة بجدارة. وضع الموسيقى للمسرحية خليل أبو حلتم، فيما كتب محمد صبيح أغانيها التي جاءت من نسيج العرض، مثل «وين ع رام الله» في مشهد الزواج، و«كلهم على واشنطن حجّوا» في سياق تناول أحداث الربيع العربي، و«كم من سنة يظل الشعب يشحد مع عبد الله النسور» في الأحداث الدرامية التي تندد بنهج رفع الأسعار، و«نصر الله بيسحب علينا أفلام وجاب لنا الإيرانية»، وذلك ضمن تناول المسرحية للشأن السوري وما يجري هناك من أحداث مأسوية. بين «مِيسي» و «النسور» استقبل مسرح عمّون العرض الكوميدي «أمن ناعم» (إنتاج محمد الزواهرة) الذي تناول قضايا الفساد والدعوة للإصلاح، من وجهة نظر الحكومة الحالية. وتضمنت لوحاته ومشاهده احتجاجاً على طبيعة تعامل قوات الأمن العام مع الحراكات الشعبية، وقد دلّ على ذلك عنوان العرض الذي ألفه بسام العموري وأحداثه وخصوصاً ما طرحته شخصية الزوجة (جسدتها ناريمان عبد الكريم) حين قالت: «أصبحوا رَخْوين»، منتقدةً «القوة الناعمة» للأمن العام في تعامله مع التظاهرات والاعتصامات والاحتجاجات. وساهمت الأغنيات التي قدمتها عبد الكريم في دفع الأحداث إلى الأمام، وتكثيف المعنى، وذلك بدلاً من الحوارات المطوّلة، ما جذب المشاهدين أكثر. وحملت المسرحية التي أخرجها بسام المصري وجهة نظر واحدة، من دون أن تسمح بطرح الرأي الآخر الذي يمثله الحراك الشبابي ودوافع ظهوره، لا بل إنها قدمت آراءهم بتهكم ساخر على لسان شخصية شاب من المعارضة قدمه كرم الزواهرة: «حرية.. حرية»، و«طالعين مسيرة سلمية مع شويّة لِيّة». الجانب الكوميدي الساخر في هذا العرض، نهض به كل من محمد الصباح وناصر أبو باشا، مستغلَّين قدراتهما المعروفة في الأداء، وقدم الصباح شخصيتَي «أم زهدي» و «البصّارة»، وأبو باشا «أبو زهدي» و «مواطن عراقي يعيش في عمّان»، وشاركهما خالد صالح بدور صاحب الدكان الذي يبيع لوازم التظاهرات والاحتجاجات. كما تضمنت الحوارات كوميديا عبر المقارنات، مثل الفروق بين لاعب كرة الأرجنتيني ليونيل ميسّي، وشخصية رئيس الوزراء الأردني عبد الله النسور الذي برع في «رفع» الأسعار، حتى إن «رفعات» ميسّي لا تصل إلى مستويات «رفعات» النسور! وتناولت مسرحية «صيّفت» التي ألّفها وأخرجها تامر بشتو، المتغيرات الديموغرافية الجديدة المتسارعة التي حدثت وتحدث في المجتمع الأردني، بارتفاع نسب التجمعات السكانية من الليبيين والسوريين والعراقيين، وتأثير هؤلاء في النواحي الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والنفسية. ومن جهة ثانية عاينت رسائلها فاتورة العبء الاقتصادي على المواطن، كما تناولت مواضيع أخرى كالعنف الجامعي. الرؤية الإخراجية للمسرحية التي صمم السينوغرافيا لها ناصر خرمة، أنشأت فضاءاتها الدلالية الإيهامية، في أحد مستشفيات عمّان، حيث تتجمع جاليات عربية، وفي سياق التطورات الدرامية تنبثق جماليات المسرحية الكوميدية، بفعل المفارقات الناتجة من أمزجة نزلاء المستشفى وهواجسهم وطباعهم. تبدأ الأحداث باستقبال موظف الاستعلامات (تامر بشتو) مريضاً ليبياً أدمن الإقامة في المستشفيات التي يطغى عليها الطابع الترفيهي «الفندقي»، ليجيء بعدها مريض عراقي يرغب في شراء المستشفى والساحة المجاورة، بما في ذلك أحد الباعة المتجولينّ. ويعقب هذا المشهد دخول امرأة سورية حامل حالة مخاض. لعبت كلمات الأغاني وألحانها دوراً في إضفاء التغير والتنوع في الفضاءات، ما ساهم في شد المتلقي إلى أحداث المسرحية. كما لعب تنوع الشخصيات دوراً في إمتاع المشاهد. الكوميديا تربك التواصل احتضن القاعة الكبرى لفندق «إنتركونتننتال» العرض المصري «كَنّاس وناس»، من بطولة أحمد بدير، وتأليف أحمد الأبياري، وإنتاج محمد قلعاوي. جاءت الأحداث في المشاهد واللوحات الأولى عنصراً ممهِّداً لظهور حبكة المسرحية، وطرحت هذه الأحداث دخول شخصية «زبّال» إلى شقة ليقابل فيها خطيبته التي تعمل «شغّالة» فيها، مستغلَّين خروج صاحب الشقة وزوجته لحضور فيلم سينمائي. تبرز الحبكة لا بعودة الزوجين من السينما مبكراً، وإنما بعد أن يرتدي الزوج البنطال الخاص بشخصية الزبال، في غرفة نومه، من دون أن يعي ما يفعل، في ظروف تتداخل فيها الأحداث، ويبدأ الزوج الذي يعمل طبيباً نسائياً الشكّ في زوجته، ويعتقد أنها تقيم علاقة مع الزبال. عملية الشد بين الأحداث المسرحية والمشاهدين، بدأت فعلياً بعد طرح المشاهد الفانتازية المتخيلة، عندما يعتقد الجميع بوجود «عفريت الماء» داخل الشقة. ويبدأ الفعل المتأسس على التعبير العاطفي الداخلي للشخوص بالظهور، بفعل المفارقات الكوميدية، بينما لم تستطع شخصية الزبال (أحمد بدير)، في الفترة التي سبقت ذلك، إنقاذ العرض من «الهبوط» بفعل الرتابة والملل، نظراً إلى كثرة الحوارات الثنائية الطويلة، لذلك لم ينجح الافتعال في الحوار المصحوب بالموسيقى، في منع «اندلاع» الحوارات الجانبية التي برزت بين المشاهدين أثناء العرض الذي مال إلى التهريج غير الناجح.