بعد سنوات، طالت أكثر مما يجب، من العمل التحضيري الذي تزامنت فيه كتابة السيناريو مع تدبير شؤون الإنتاج، وإمكاناته، بدأ مشروع الفيلم الروائي الطويل الأول للمخرجة الفلسطينية مي المصري، يتبلور بصورة عملية أخيراً. فالفكرة التي ولدت لدى صاحبة «جبل النار» و«أطفال شاتيلا» خلال أواسط العقد السابق، وفحواها تحقيق فيلم روائي طويل أول من كتابتها وإخراجها وإنتاجها، بعدما كان متنها السينمائي الأساسي متناً وثائقياً، هذه الفكرة سترى النور خلال بدايات العام المقبل بعد أن قررت المصري البدء في تصوير المشاهد الأولى للفيلم في العاصمة الأردنية عمان بدءاً من شهر آذار (مارس) 2014 حيث سيستغرق التصوير الأردني أسابيع عدة يتم خلالها إنجاز المشاهد الداخلية. وهي المشاهد التي تدور في غالبيتها العظمى داخل سجن من المفروض أنه يقع داخل فلسطينالمحتلة. وإلى هذا ستصور مي المصري، بقية مشاهد الفيلم، ومعظمها خارجي، في مناطق متعددة من الداخل الفلسطيني. يحمل الفيلم عنواناً ربما يكون موقتاً هو «3000 يوم» والعنوان هو إشارة إلى فترة سجن تمضيها مناضلة فلسطينية داخل معتقل إسرائيلي بعد أن يقبض عليها وهي حامل بطفلها الأول. لكن حملها لا يشفع لها عند السلطات الإسرائيلية. ولا يشفع لها الوضع كذلك، إذ إنها - وهذه هي الحبكة الأساس في الفيلم - تضع وليدها داخل الزنزانة لتجبرها الظروف إثر ذلك على أن تبقيه معها هناك بصفته «أصغر أسير فلسطيني». وطبعاً لن نستطرد هنا في تفصيل حكاية الفيلم وأحداثه المتتالية ولكن، نذكر أن صاحبته قد استندت في كتابته إلى حادثة حقيقية فوجدت الفرصة أمامها سانحة للانتقال من هواها السينمائي المتأصّل لديها في تحقيق الأفلام الوثائقية إلى خوض غمار السينما الروائية ولكن، كما تؤكد «في منظور لا يبتعد ميلمتراً واحداً عن سينما الواقع والحقيقة». ويعرف متتبعو سينما مي المصري على أية حال أنها حتى في سينماها الوثائقية التي كانت حققتها بإبداع استثنائي خلال العقدين الأخيرين - أولاً مع زوجها المخرج اللبناني المعروف جان شمعون، ثم وحدها ليعمل هو معها منتجاً كما تتولى هي في المقابل إنتاج أفلامه الخاصة - حتى في أفلامها تلك كان «المزاج السينمائي» لدى المصري، ولا سيما في تعاملها مع الأشخاص الذين تختار تصويرهم في أفلامها، مزاجاً لا يبتعد كثيراً عن مزاج السينما الروائية. من هنا، كان متوقعاً، بل بدهياً أيضاً بالنسبة إلى متتبعي هذه السينما أن تصل المخرجة إلى السينما الروائية الخالصة ذات يوم وها هي فعلت أخيراً. بقي أن نذكر أن هذا المشروع الذي شاركت فيه صاحبته، طوال السنوات الماضية في الكثير من ورش العمل، لا سيما في إحدى ورش دورات مهرجان «كان» السينمائي في الجنوب الفرنسي قبل سنوات، نال دعماً إنتاجياً من أطراف عربية ودولية متعددة، وكان آخرها الدعم الذي ناله من جانب الهيئة الملكية للأفلام في الأردن حيث كان في مقدمة ثمانية مشاريع اختارها محكمون انتدبتهم الهيئة لذلك لينال دعماً ارتبط على أية حال بتصوير معظم مشاهد الفيلم في الأردن.