يتخذ العشرات من الشبان والشابات من ميدان «عابدين» المصري منطلقاً للتعبير عن آرائهم بعيداً من مطاردة عناصر القوات الأمنية. فالميدان الذي قصده أحمد عرابي في 9 أيلول (سبتمبر) 1891، حيث واجه الخديوي، وأطلق مقولته الخالدة: «لقد ولدتنا أمهاتنا أحراراً»، يقف مرة في كل الشهر في وجه الفنون الهابطة والقمع الفكري وقتل المواهب والتحرش. يجتمع عشرات الفتيات والشبان في احتفالية باتت موعداً شهرياً لا يتخلّفون عنه، حيث تقام معارض للفن التشكيلي، وتُعرض لوحات ورسومات، كما تشارك فرق غنائية ملتزمة، وتطلق أناشيد وهتافات ووقفات تضامنية. ويجمع الهدف الكل تحت عنوان الدفاع عن «الحرية، والتعبير عن الرأي والفن والإبداع». إنه «الفن ميدان»، تلك الاحتفالية التي تقام أول سبت من كل شهر، والتي بدأت عقب ثورة 25 يناير، وجابت 15 محافظة مصرية. ما بين معرض صور لدعم فلسطين وبيع الشال الفلسطيني، و«الدبابيس» التي تخبرك أن «غزة في القلب»، و«قريباً سنصلي في القدس»، وآخر لصور مشاهير، وثالث لبيع «تي شيرتات» تحمل ما تبقى من ذاكرة الثورة منذ بدأ بيعها في التحرير، ومعرض لبيع الكتب، وخامس لبيع أدوات الزينة للفتيات... وبينما يجذب كل معرض جمهوره، تجد الكثيرين ممن كان لتواجدهم في الميدان هدف آخر غير التسوق. وتقول إسراء التي تقف بين عشرين شاباً وشابة في الميدان: «نحن نجد في الفن المتنفس الوحيد للتعبير عن رأينا، من دون أن تطاردنا قوات الأمن في الشوارع»، وتحمل كما بقية رفاقها لافتة عليها إسم معتقل وعبارة «الحرية للمعتقلين». ومن الحرية للمعتقلين، إلى الحرية لفلسطين، يكتمل المشهد في «الفن ميدان»، فالقضية المركزية بالنسبة لمصر، لم تكن لتختزل في مجرد معرض صور وشال ومعرض لرسوم الفنان ناجي العلي. ففي وسط الميدان انطلق المؤتمر «الواقف» لدعم غزة، حيث هيثم محمدين وزيزو عبده ورامي شعث، أعضاء «الجبهة الشعبية لدعم الانتفاضة الفلسطينية»، يتبادلون إلقاء الكلمات عن الوضع في غزة، وحولهم لفيف من الكاميرات. وفضلاً عن حضور فرقة «حسب الله»، وعلى بعد أمتار، نشاط آخر لدعم فلسطين، حيث خلود عادل (مغنية شابة) تتضامن والملتفين حول المسرح، بأغنية عن فلسطين، ثم تليها مجموعة من الأغاني الصوفية، تليها فرقة «سلالم باند» التي أشعلت المسرح بأغاني «ثلاثي أضواء المسرح»، بينما يقف راسمو جرافيتي يطالبون بالحرية ل«معتقلي الجامعة». ليس هذا كل ما في «الفن ميدان»، حيث توجد أيضاً عروض «الأراجوز» للأطفال، وعروض كتب أو أفلام وثائقية ومناقشات فكرية، داخل «المسرح الصغير» على مشارف الميدان، والذي لن يحتاج أحد لاعتلائه سوى الموهبة والتواصل مع منظمي «الفن ميدان»، يرأسهم الشاعر زين العابدين فؤاد. احتفالية «الفن ميدان»، التي لا تنسى الاحتفاء بالفنان الشاب هشام رزق، أحد الوجوه الشهيرة فيها، قبل أن يرحل غريقاً، تبثّ الحياة في «الميدان»، الذي ينام على ذاكرة عنوانها الحرية، ترنّ في أنحائه في كل وقت، وفي خيالها صورة أحمد عرابي، معتلياً صهوة جواده، وفي جنباتها فتيات وشباب هم صورة مستقبل مصر المأمول.