على رغم أنني لم أعد أميل كثيراً إلى الدخول في سجال مع هؤلاء الذين عادوا للصراخ مرة أخرى بأن ثورة 25 يناير مؤامرة على مصر صنعتها أميركا وإسرائيل وقطر وإيران، إلا أنني أجدني في حاجة إلى التوقف أمام ذلك الادعاء الذي روج له بعض الإعلام المصري سواء عن جهل أو عن سوء نية. فما زلت أرى أن هؤلاء إما أنهم من يتامى نظام مبارك أو أنهم بائسون لا يدركون قيمة بلد بحجم مصر. فالمبادئ التي قامت عليها الثورة المصرية: الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، ما زالت هي حلم الشعوب كلها على وجه الأرض. لذا، سيكون من المنطقي أن تحاربها بشراسة الأنظمة المستبدة، لا أن تحرض على قيامها. ويكفي أن أذكر هنا حدثين وقعا بعد اندلاع ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011 بشهور. الحدث الأول كان في آب (أغسطس) من العام نفسه ووقع في إسرائيل التي تعتبر مصر بمثابة «العدو التاريخي» لها. كنت وقتذاك خارج مصر أشارك مع الشاعر المغربي ياسين عدنان في إقامة أدبية في مدينة سان فرانسيسكو. وحينذاك كنت شبه مهووسة بأن أراقب كيف يرى الأميركيون والعالم كله ثورتنا - نحن المصريين. سافرت وأنا شبه منهارة من أداء المجلس العسكري المصري تجاه الثوار الشباب. ولكن، في أميركا أدهشني منذ اللحظة الأولى قلق الكثيرين ممن قابلتهم هناك واهتمامهم بمتابعة ما آلت إليه الأوضاع في مصر بعد الثورة. كنت أتابع أخبار العالم عبر الإنترنت، فشاهدت الاحتجاجات الواسعة التي شهدتها دولة إسرائيل (فلسطينالمحتلة) وربما كانت هي الأعنف منذ سبعينات القرن الماضي. اندلعت تلك الاحتجاجات بسبب ارتفاع أسعار الشقق وغلاء المعيشة ومستحقات الضرائب هناك، وحاول المتظاهرون اقتحام مبنى الكنيست. قرر عدد منهم الاعتصام كذلك في منطقة روتشيلد قرب ميدان «هابيماه». مصدر دهشتي الآن هو أن بعض المحتجين الإسرائيليين رفعوا العلم المصري ورسموه على وجوههم وبعضهم رفع لافتات كتب عليها: «هنا مصر»، «هنا ميدان التحرير»، «ارحل»، في إشارة واضحة إلى تأثرهم بالثورة المصرية التي يتعامل معها الكثيرون في الإعلام المصري باعتبارها مؤامرة إسرائيلية . أما الحدث الثاني، فوقع في أيلول (سبتمبر) 2011، حين اشتعلت حركة «وول استريت» في عدد من الولايات الأميركية، وكانت بمثابة تعبير عن سخط شعبي على النظام الرأسمالي والضيق من جشع مالكي الشركات الكبرى الذين يستولون على معظم الثروات. وقد بدا واضحاً لكل ذي عينين، تأثر المحتجين الأميركيين وقتذاك بالثورة المصرية واستلهامهم الكثير من أفكارها. فمنذ بدايات الحركة صرح كثير من المتظاهرين بأنهم يريدون تحويل شارع المال والأعمال، «وول ستريت» إلى «ميدان تحرير». هذا إلى جانب بعض اللافتات التي حملها المتظاهرون، والتي تضمّنت عبارات مثل: «امشِ كمصري»، و «حارب كمصري»، ورفعوا علم مصر إلى جانب العلم الأميركي. هذا على رغم أن مطالب المصريين في ثورتهم كانت سياسية من الدرجة الأولى وتختلف عن طبيعة مطالب احتجاجات «وول ستريت» التي ركزت على أبعاد اقتصادية. إلا أن العامل المشترك بينهما هو التشديد على أهمية تحقيق العدالة الاجتماعية التي كانت أهم شعارات الثورة المصرية، لذا لم يكن مستغرباً أبدا أن يقيم هؤلاء الأميركيون المحتجون على هامش احتجاجاتهم العنيفة ندوات لقراءة قصائد للشعراء المصريين المترجمة إلى الإنكليزية كنوع من الاحتفاء بالثورة المصرية. وما زلت أذكر مدى سعادتي وقتذاك حين وصلتني رسالة إلكترونية من إحدى المشاركات في هذه الاحتجاجات في ولاية لوس أنجليس، وهي فنانة تشكيلية شابة، تعرفتُ إليها أثناء إقامتي الأدبية في سان فرانسيسكو. في تلك الرسالة طلبت مني هذه الصديقة المشاركة معهم ببعض قصائدي وجزء من يومياتي عن الثورة لكي تصدر في كتاب قدمت له الفيلسوفة الأميركية المعروفة غوديث بتلر، وهو ما يؤكد أن ما قمنا به في مصر منذ الخامس والعشرين من كانون الثاني (يناير) 2011 كان ثورة ممتدة الأثر وليس مؤامرة أميركية أو إسرائيلية.