تتجه الأزمة العراقية - السورية إلى التصعيد، بعدما طلبت بغداد رسمياً من الأممالمتحدة تشكيل لجنة خاصة للتحقيق في تفجيرات «الأربعاء الدامي»، ووضعت شروطاً صعبة لحضور لقاء في أنقرة يجمع وزير خارجيتها هوشيار زيباري، ونظيريه التركي أحمد داود أوغلو، والسوري وليد المعلم، للبحث في الخلاف بين البلدين. وعززت قوات الشرطة على الحدود، فيما أحال الأمين العام للمنظمة الدولية بان كي مون الطلب على مجلس الأمن. في دمشق أكد الرئيس بشار الأسد رفضه، من حيث المبدأ تدويل القضايا العربية. وقال ان «التدويل لم يكن حيادياً ولم يحقق إنجازات. حقق فقط مأس لنا»، مشيراً الى ان «الحلول الصحيحة تأتي من أبناء المنطقة تحديداً». وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون أرسل برقية الى رئاسة مجلس الأمن الدولي، التي تشغلها حالياً الولاياتالمتحدة، يبلغها فيها أنه تلقى من رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي رسالة في 30 آب (اغسطس) يطلب فيها تشكيل لجنة تحقيق دولية مستقلة للتحقيق في الاعتداء المزدوج الذي استهدف وزارتي الخارجية والمال في بغداد. وحولت المندوبة الأميركية سوزان رايس الرسالة إلى أعضاء المجلس. وجاء في رسالة المالكي، التي أرفقها الأمين العام ببرقيته، ان «حجم وطبيعة هذه الجرائم يستدعي تحقيقاً يفوق نطاق الصلاحية القضائية العراقية وملاحقة المرتكبين أمام محكمة جنائية دولية خاصة». وكان رئيس الوزراء اتهم «بعض دول الجوار» وقال: «قدمنا معلومات ووثائق خلال زيارتنا الأخيرة لدمشق ولقائنا المسؤولين السوريين، سمعنا منهم كلاماً طيباً حول التعاون لكن نشاط المنظمات لم يتوقف بل تصاعد». وقالت مصادر ديبلوماسية في مجلس الأمن انها لا تتوقع الدعوة الى مناقشة الرسالة العراقية في اي وقت قريب، واضافت ان هناك من يرى ان المسألة «ثنائية» بين العراق وسورية، انما هناك من يعتبر التطورات خطيرة وان طلب المالكي يستحق البحث فيه بجدية. وقال مسؤول اميركي طلب عدم ذكر اسمه ان البعثة الاميركية لم تتلق اي تعليمات محددة من واشنطن بشأن الخطوات داخل مجلس الامن وان الامر قيد النظر. إلى ذلك، أكد مصدر في وزارة الخارجية العراقية ل«الحياة» ان بغداد «وافقت بصورة مبدئية على عقد اجتماع لوزراء خارجية الدول الثلاث في أنقرة» ( سورية والعراق وتركيا)، مشترطاً ان «تستجيب سورية المطالب العراقية وأن لا تحاول أضاعة الوقت وتسويف القضية بالمماطلة والإنكار». وأوضح المصدر ان «الاجتماع لم يحدد موعده حتى الآن وما زال فكرة طرحها الجانب التركي»، ورجح ان «يكون موعده خلال الأسبوع المقبل»، مشدداً على ان «العراق إذا لم يلمس إمكان خروج الاجتماع بنتائج سيرفض حضوره». ووصف مراقبون الاجتماع بانه «الفرصة الأخيرة لنزع فتيل الأزمة بين دمشق وبغداد من دون المحكمة الدولية». وأعرب الخبير القانوني محمد السامرائي في تصريح الى «الحياة» عن تشاؤمه من تسوية الخلاف «نظراً إلى تمسك الجانبين بمواقفهما»، موضحاً ان «هذا الاجتماع سيكون الفرصة الأخيرة للطرفين». وأكد ان «خيار اللجوء الى مجلس الأمن ليس في صالح الطرفين لأنه يحتاج الى أموال كثيرة وسنوات حتى تتمكن المحكمة الدولية من التوصل الى نتائج وهذا يشكل عبئاً على موازنة العراق». وعقد الأسد مؤتمراً صحافياً مع الرئيس الفنزويلي هوغو تشافيز مساء أول أمس، وسئل الرئيسان عن رأيهما في فكرة التدويل، خصوصاً بعد الأزمة بين العراق وسورية وتوجه بغداد الى تدويلها، فأجاب الأسد: «لم أفهم ما الذي يمكن أن يدول في العراق. العراق كل وضعه مدول منذ عام 1991منذ غزو الكويت. لكن بغض النظر عن العراق، وهذا شأن عراقي، نحن نتحدث عن مبدأ. والواقع أن القضية الفلسطينية منذ نشأت نشأت بسبب التدويل. الوضع في العراق، الوضع الآن في أفغانستان، التدخل الدولي في لبنان منذ عام 2004. هل حقق لنا التدويل عبر تاريخنا الحديث أي إنجازات أم كان حيادياً أم حقق فقط المآسي؟». وأجاب: «التدويل لم يكن حيادياً ولم يحقق إنجازات: حقق فقط مآسٍ لنا». وقال: «لا أتحدث عن موضوع العراق هذا موضوع لا يعنينا، أنا أتحدث عن المبدأ في شكل عام. نحن دائماً في كل خطابنا السياسي في سورية نقول: الحلول الصحيحة تأتي من أبناء المنطقة تحديداً. هذا من جانب. ومن جانب آخر كلمة التدويل ماذا تعني؟ كل دول العالم؟ إذا قلنا منظمات دولية كلنا يعلم أن المنظمات الدولية هي عدد من الدول: النظام الدولي والمجتمع الدولي مجموعة دول». وتابع: «من يرد أن يتحدث عن التدويل فعليه أن يكون صريحاً. يقول نقلنا هذا الموضوع إلى هذه الدول وليس إلى العالم. المنظمات الدولية ومنظمات الأممالمتحدة وغيرها وكل ما يتبع لها هي منظمات محكومة بعدد محدود من الدول وستكون قراراتها تابعة ومرتبطة بمصالح هذه الدول. وحتماً لن تكون لمصلحتنا أيضاً»، مشيراً الى ان «التدويل هو دليل على ضعفنا. دليل على عدم قدرتنا أو عدم أهليتنا، وهو اعتراف منا بعدم أهليتنا لإدارة شؤوننا سواء كانت هذه الشؤون صغيرة أم كبيرة. لا يهم. المبدأ واحد.هكذا ننظر إلى موضوع التدويل. أي موضوع تدويل». من جهة أخرى، بدأ العراق تعزيز قوات الشرطة على حدوده مع سورية. ونقلت وكالة «رويترز» عن اللواء طارق يوسف قوله ان «القوات الإضافية هي قوات طوارئ لسد الثغرات. وأضاف ان المالكي شخصياً أمر بنشرها. وأوضح أن بعضها تم نشره بالفعل والأخرى في الطريق. ورفض إعطاء المزيد من التفاصيل. وتابع ان العراق اعتقل اثنين من المتسللين أثناء محاولتهما الدخول الى الأراضي العراقية الشهرين الماضيين.