يفاقم اغتيال محمد البراهمي التوتر في المجتمع التونسي، في وقت أفلت من العقاب إلى اليوم منفذو اغتيال شكري بلعيد في شباط (فبراير) المنصرم. وثمة أسماء على لائحة اغتيالات. وإثر الاغتيال الأول، أثنت موجة الاحتجاج الشعبي القتلة عن مواصلة «مشروعهم»، ويبدو أنها حملتهم على إرجائه فقط وليس إلغاءه. المناخ السياسي المتشنج وترددات الأزمة المصرية هي وراء عودة الاغتيالات. والمغدوران هما من ممثلي اليسار المتطرف. ومطالب هذا التيار السياسي لا تغرد خارج سرب مطالب غيره من التيارات اليسارية (اليسار ويسار الوسط). فهو يطالب باستقالة الحكومة وحل البرلمان، ويؤيد حركة «تمرد» التونسية – تحاكي نظيرتها المصرية التي انتهت بإقالة الرئيس محمد مرسي-. ويمتحن تونس اليوم الفصل الثاني من المرحلة الانتقالية، وهي تواجه تحديات تشبه التحديات المصرية. فالفصل الأول من المرحلة الانتقالية انتهى إلى إطاحة الديكتاتورية وإجراء انتخابات حرة. ويبدو أن الفصل الثاني متعثر، فإسلاميو حزب «النهضة» فازوا بالانتخابات، وهم يتصدرون القوى السياسية في البلاد. والفوز والتصدر هما من ثمار الديموقراطية، لكن الإسلاميين انساقوا وراء نوازع استبدادية، وانتهجوا استراتيجية ترمي إلى إحكام القبضة على الوزارات والجهاز الإداري. ولم يصدع الفائزون في الانتخابات ولا الخاسرون بنتائجها. وثمة أوجه شبه بين الأزمتين التونسية والمصرية، لكن الأولى أفدح من الثانية. وسبقت تونس مصر إلى تنظيم الانتخابات الحرة، لكنها إلى اليوم لم تصغ دستوراً أو قانون انتخاب ولم تحدد موعد الانتخابات. في البداية سعت «النهضة إلى إرجائها (الانتخابات) لكنها وقعت في شرك نسجت هي خيوطه. فمع الوقت، تصلبت مواقف خصوم «النهضة» - وهي تحتاج إلى أصوات قسم منهم لإقرار الدستور بغالبية الثلثين - وبقي نص الدستور من غير إقرار. وتاريخ الجيش التونسي مختلف عن تاريخ نظيره المصري. فقائد الأركان الذي استقال أخيراً نبه إلى رفض الجيش التونسي التدخل في الشؤون المدنية. وتصدي المجتمع التونسي لنوازع «النهضة» الاستبدادية، راسخ وقوي. والاتحاد العام التونسي للشغل (يجمع شطراً راجحاً من الموظفين) هو ركن التصدي هذا. ورفض قسم من وسائل الإعلام القيود وكمّ الأفواه، وهو على ما درج عليه من تنديد بالفساد و «شطط» السلطة الاستبدادي. أما إقبال النساء على المشاركة في الاحتجاج فلم يفتر. وقد تكون تونس مقبرة التيار الإسلامي المتطرف من غير معركة «ساخنة»، لكن حزب «النهضة» يرفض سماع صوت الشعب، ولا يقبل بحكومة اتحاد وطني، والنزاع إلى تفاقم. وفي حفلة وداعه، نبه قائد الجيش المستقيل إلى خطر الانزلاق إلى «الصوملة» والحرب الأهلية. * استاذ جامعي وفيلسوف، عن «ليبراسيون» الفرنسية، 26/7/2013، اعداد منال نحاس