سيطرت أجواء الحذر والترقب في تونس، أمس، في ظل تفاقم الأزمة السياسية في البلاد عقب اغتيال النائب المعارض البارز محمد البراهمي الخميس الماضي على يد مسلحين قالت وزارة الداخلية التونسية إنهم متشددون. وواصلت المعارضة والقوى الشبابية اعتصامها أمام مقر المجلس الوطني التأسيسي في باردو (في الضاحية الغربية لتونس العاصمة) على رغم فضّ قوات الأمن ل «اعتصام الرحيل» المطالب بحل المجلس وإسقاط الحكومة التي تقودها حركة «النهضة» الإسلامية. وتمركزت صباحاً وحدات من الجيش في مكان الاعتصام مانعةً التظاهر فيه، على رغم أن نواب المعارضة يملكون ترخيصاً بذلك. واعتدت عناصر الأمن على نوابٍ كانوا معتصمين، ما استدعى نقلهم إلى المستشفى لتلقي العلاج، في حين ارتفع عدد النواب المنسحبين من المجلس التأسيسي إلى 71 نائباً، كان آخرهم نائبان من أحزاب الترويكا الحاكمة. في هذه الأثناء، تواصلت التظاهرات المطالبة بإسقاط الحكومة التي تقودها «النهضة» وحل المجلس التأسيسي في عدد من المحافظات. وشهدت محافظات سيدي بوزيد (مسقط رأس البراهمي ومهد الثورة التونسية) وقفصة والكاف (غرب) وسوسة (الساحل) تظاهرات شارك فيها آلاف المناهضين للحكومة رافعين شعارات تطالب بإسقاط النظام ومحاسبة المتورطين في اغتيال البراهمي. وأفاد سكان أن معارضين غاضبين حاولوا اقتحام مصالح حكومية في سيدي بوزيد ومنع الموظفين من العمل، ما أدى إلى اندلاع اشتباكات بينهم وبين مؤيدي «النهضة». وتدخل الجيش لحماية المصالح الحكومية وأطلقت الشرطة الغاز المسيل للدموع لكن شهوداً أفادوا بأن آلاف المتظاهرين ظلوا يتجمعون في المدينة. أما على الصعيد السياسي، فشهدت تونس حركة سياسية حثيثة على كل المستويات، فاجتمع رئيس الجمهورية المنصف المرزوقي بالمجلس الأعلى للأمن الوطني، بعد اجتماعٍ لمجلس الوزراء. وفي سياق متصل، أجرى الاتحاد العام التونسي للشغل مشاورات مع أحزاب المعارضة للنظر في تطورات الوضع السياسي المتأزم. كما تزايد الضغط على الغالبية الحاكمة وبخاصة «النهضة» بعد دعوة حزب «التكتل» المشارك في الائتلاف الحكومي إلى تشكيل حكومة جديدة تقود البلاد نحو انتخابات عامة لا تتجاوز أواخر العام الحالي، بحسبما صرح الناطق الرسمي للتكتل محمد بالنور لوسائل إعلام محلية. ويطالب حزب «التكتل» (حزب رئيس المجلس التأسيسي مصطفى بن جعفر) بتشكيل حكومة جديدة وحل ما يُعرف برابطات حماية الثورة (المقربة من الإسلاميين) مهدداً بالانسحاب من التحالف الحكومي، لكنه يعارض فكرة حل المجلس التأسيسي باعتبار أنه مصدر الشرعية وكل السلطات في البلاد. وفي الإطار ذاته، قالت لبنى الجريبي القيادية في «التكتل» لوكالة «رويترز»: «دعونا إلى حل الحكومة وتشكيل حكومة وحدة وطنية تمثل أوسع توافق ممكن وفي حالة رفض النهضة لمقترحنا سننسحب من الحكومة». إلى ذلك، أعلن مستشار رئيس الجمهورية للشؤون الديبلوماسية الهادي بن عباس استقالته - في رسالةٍ تلقت «الحياة» نسخة منها - من حزب «المؤتمر» الذي يرأسه المرزوقي، وذلك بسبب خلافات في شأن إدارة الأزمة السياسية الحالية مع قيادات الحزب. وتزامنت هذه الاستقالة مع تقديم وزير التربية سالم الأبيض (من التيار القومي) استقالته رسمياً قبل اجتماع مجلس الوزراء أمس. كما حذر نور الدين البحيري القيادي في «النهضة» والوزير المعتمد لدى رئيس الحكومة علي العريض من خطر «الخراب والدمار والتقاتل والعنف» في تونس إن حُلَّ المجلس التأسيسي (البرلمان) والحكومة المنبثقة منه مثلما تطالب المعارضة العلمانية. وقال: «ما البدائل عن المجلس التأسيسي؟ وما هي البدائل لحكومة منتخبة؟ وما هي البدائل عن صندوق الاقتراع؟ ليس هناك أي بديل إلا الخراب والدمار والتقاتل والعنف». ودعا البحيري المعارضة إلى الحوار، مؤكدا ان «نحن أحوج ما نكون للوحدة». وانتقد التظاهرات التي تقودها المعارضة في ولايات عدة. في المقابل عقد الاتحاد العام التونسي للشغل في ساعة متقدمة مساء أمس اجتماعاً لهيئته الإدارية للبحث في الأزمة السياسية الحالية وطرق التعاطي معها، وذلك في ظل دعوات إلى مساندة «اعتصام الرحيل» كما ساند في السابق اعتصامات ساهمت في إسقاط الحكومة الانتقالية الأولى بعد الانتفاضة التي أطاحت حكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي.