تترقب مصر اليوم يوماً حاسماً في مسار الأزمة السياسية المفتوحة منذ عزل الرئيس محمد مرسي، عندما يلبي مؤيدو عزله دعوة وزير الدفاع الفريق أول عبدالفتاح السيسي إلى الاحتشاد في الميادين لمنحه «تفويض محاربة العنف والإرهاب»، في مواجهة تظاهرات دعت إليها جماعة «الإخوان المسلمين» تحت شعار «جمعة الفرقان»، ما عزز مخاوف من اتساع دائرة أعمال العنف التي تشهدها البلاد. غير أن السلطات سعت إلى طمأنة المتخوفين إلى أن التظاهرات مؤمنة. وأعلنت أمس «جبهة 30 يونيو» أن مؤيدي عزل مرسي سيخرجون في مسيرات عقب صلاة الجمعة من مناطق عدة في وسط القاهرة وغربها وجنوبها وشمالها للتجمع في ميدان التحرير، فيما ستتجه مسيرات أخرى من مناطق شرق القاهرة لتتجمع أمام قصر الاتحادية الرئاسي. وأشارت أن هناك تظاهرات ستخرج في الميادين الرئيسة في مدن الإسكندرية، وطنطا، والمحلة، والسويس، وبورسعيد، وكفر الشيخ والمنوفية. أما جماعة «الإخوان»، فأعلنت خروج مسيرات من مختلف مساجد القاهرة الكبرى. وبدا واضحاً أن كلا الطرفين يعول على تظاهرات اليوم لحسم المشهد لمصلحته، إذ استخدم كل طرف أسلحته في مواجهة الآخر، فاستنفرت مؤسسات الدولة خلف دعوة الجيش، كما أعلنت قنوات التلفزيون الرسمية والخاصة الامتناع عن عرض المسلسلات والتفرغ لتغطية التظاهرات، فيما كثفت جماعة «الإخوان» تحركاتها لحشد مؤيديها، فلجأت إلى فتاوى تحرم تلبية دعوة الجيش. وأوضح الجيش أمس أن دعوة وزير الدفاع إلى التظاهر «ليست دعوة إلى العنف، ولكنها لاستكمال ثورة 30 يونيو». وقال الناطق باسم الجيش العقيد أحمد علي في بيان إن الدعوة تمثل «استدعاء للمشهد الثوري التاريخي لشعب مصر والذي طالما أبهر العالم بعبقريته وتطلعاته المشروعة نحو التغيير والإصلاح والديموقراطية بكل سلمية ورقي وتحضر بعد أن بذل البعض جهوداً كبيرة ليثبت للعالم عكس ذلك، وأن يمحو من الذاكرة هذه المشاهد المهيبة». وأكد أن الدعوة «لم تحمل تهديداً لأطراف سياسية بعينها بل جاءت كمبادرة وطنية لمواجهة العنف والإرهاب الذي لا يتسق مع طبيعة الشعب المصري ويهدد مكتسبات ثورته وأمنه المجتمعي». وحذر من «اللجوء إلى العنف والإرهاب في التظاهرات». وتعهد «مواجهته بكل حسم وقوة وفقاً لمقتضيات القانون الصارم»، داعياً مختلف القوى والتيارات السياسية إلى «البعد عن أعمال الاستفزاز والالتزام بضوابط التعبير السلمي عن الرأي». وتعهد مجلس الدفاع الوطني الذي يضم قيادات أجهزة الدولة بعد اجتماع مع الرئيس الموقت عدلي منصور أمس «اتخاذ الإجراءات والتدابير اللازمة لتجفيف منابع الإرهاب وانتهاك القانون في إطار من احترام القانون وحماية حقوق الإنسان». وأشار في بيان إلى أن الاجتماع تناول «النظر في تطورات الأحداث الداخلية والموقف الأمني في البلاد ومناقشة التهديدات الموجهة إلى الأمن القومي المصري داخلياً وخارجياً، وأكد التزام الدولة بضمان حقوق وحريات كل مواطنيها، خصوصاً الحق في حرية الاعتقاد والتعبير عن الرأي بالطرق السلمية، والتزام الدولة بحماية حق التعبير السلمي، وبحماية أمن مواطنيها أياً كانت انتماءاتهم، وكذلك التزامها بحماية السلام المجتمعي وبأنها لن تسمح بتهديده أو الإخلال بالأمن الداخلي أياً كان شكل هذا التهديد أو الإخلال وأياً كانت مصادره». وتعهد المجلس «عدم السماح لأحد بترويع المواطنين أو حمل السلاح في وجه الدولة والمجتمع أو إشاعة الإرهاب لفظاً أو فعلاً أو محاولة ابتزاز المواطنين أو ارتهان المجتمع أو تبديد السلم والأمن الداخليين». وشدد على أنه «ستتخذ كل الإجراءات اللازمة التي تكفل ردع الخارجين على القانون والخارجين على الدولة، وكذلك ملاحقة ومحاسبة كل من يهدد أمن المواطنين أو يكدر سلم مجتمعه أو يحرمهم من حياة طبيعة مستقرة ومستحقة». واجتمع وزير الداخلية محمد إبراهيم أمس بكبار القيادات الأمنية قبل أن يتعهد في بيان أن «جماهير الشعب المصري ستكون تحت مظلة أمنية كاملة». ودعا المتظاهرين إلى «ترجمة معاني السلمية والتحضر». في المقابل، دعا مرشد «الإخوان» محمد بديع أنصاره و «شركاء ثورة يناير» إلى الاحتشاد في الميادين اليوم «دعماً للحرية والشرعية ورفض الانقلاب العسكري الذي طاول الجميع ويلاته». وقال: «أقسم بالله غير حانث أن ما فعله السيسي في مصر يفوق جرماً ما لو كان قد حمل معولاً وهدم به الكعبة المشرفة حجراً حجراً، فهل لو فعل السيسي هذا يا حماة الحرمين الشريفين هل كنتم ستؤيدونه في ما فعل؟ أعدوا جواباً على هذا السؤال عندما تعرضون على من لا تخفي عليه منكم خافية». واعتبر أن دعوة وزير الدفاع إلى التظاهر «رسمت صورة حقيقية له أنه الحاكم الفعلي للبلاد وأن الجميع حوله كومبارس، لذا يتحمل هو الوزر ولا يعفيهم هذا من نصيبهم أبداً». ودعا أنصاره إلى «عدم اللجوء إلى العنف حتى لو بادركم الآخرون بذلك». إلى ذلك، أمرت النيابة العامة بحبس 29 متهماً من أنصار مرسي وجماعة «الإخوان» 15 يوماً على ذمة التحقيقات في اشتباكات مدينة قليوب (شمال القاهرة) التي أسفرت عن مقتل وجرح 18 شخصاً بينهم ضابط وأمين شرطة حين قطع أنصار مرسي الطريق الزراعية الواصلة بين القاهرة ودلتا النيل. ووجهت النيابة إلى المتهمين تهم «القتل العمد والشروع في القتل ومقاومة السلطات والتعدي على رجال الشرطة وقطع الطريق العام وتعطيل مصالح المواطنين وإحراز أسلحة نارية وبيضاء من دون ترخيص وإثارة الفوضى وإتلاف الممتلكات العامة والخاصة». وأشارت النيابة إلى أن المتهمين اعترفوا في التحقيقات «بانتمائهم إلى الإخوان وبأنهم كانوا موجودين ضمن المعتصمين في ميدان رابعة العدوية في القاهرة لتأييد مرسي وأنهم تلقوا أوامر وتعليمات من بعض القيادات للاشتراك في مسيرة أنصار مرسي في مدينة قليوب لدعمها والحشد بمجموعات مسلحة لقطع الطريق السريع واستخدام العنف ونشر الفوضى وتكدير الأمن بالمنطقة». وبين القيادات المطلوب القبض عليها في القضية بحسب قرار النائب العام أمس بتهمة «التحريض على العنف» مرشد «الإخوان» محمد بديع والقياديين في الجماعة محمد البلتاجي وعبدالرحمن البر وجمال عبدالهادي وعبدالله بركات وباسم عودة وأسامة ياسين، إضافة إلى الداعية السلفي محمد عبدالمقصود والداعية المثير للجدل المحسوب على «الإخوان» صفوت حجازي. وفي سيناء (أ ف ب) قُتل ضابط وجندي في الجيش وجُرح 4 جنود في هجوم مسلح على نقطة تفتيش عسكرية. وأوضحت مصادر طبية وعسكرية أن «ضابطاً وجندياً في الجيش قتلا فيما جُرح 4 جنود آخرين في هجوم مسلح على نقطة تفتيش للجيش في منطقة الشلاق في سيناء» في ذكرى مرور عام على مقتل 17 جندياً مصرياً في هجوم مسلحين. وقتل أكثر من 30 شرطياً وجندياً ومدنياً في سيناء منذ عزل مرسي. وكثف الجيش وجوده في سيناء وأدت عملياته إلى مقتل عشرة مسلحين من الإسلاميين المتطرفين. من جهة أخرى، التقى وزير شؤون الشرق الأوسط في الخارجية البريطانية أليستر بيرت مسؤولين من الحكومة الانتقالية وممثلين عن جماعة «الإخوان» خلال زيارة للقاهرة استمرت يومين واختتمت أمس. وقال في بيان إنه شدد خلال اللقاءات مع الجانبين على «الحاجة إلى التهدئة وضبط النفس»، مشيراً إلى أنه دعا كل الأطراف إلى «الحيلولة دون اندلاع تظاهرات عنيفة في الأيام المقبلة». وأعرب عن «قلق شديد» من الدعوات إلى مزيد من التظاهرات، معتبراً أن «الوقت الآن للحوار والتنازلات، وليس للمواجهة». وأوضح أنه شدد على «مسؤولية الدولة للالتزام بحق المصريين في التظاهر السلمي وعدم اللجوء إلى العنف». وأكد ضرورة «انخراط كل الفصائل، بما في ذلك الإخوان، في حوار في شأن مستقبل مصر». وطالب بإطلاق سراح قيادات «الإخوان» أو توجيه اتهامات إليهم «تخلو من شبهة الدوافع السياسية وفي إطار القانون».