بدأ تدهور الدولار الأميركي في مقابل العملات الصعبة الأخرى منذ بداية الألفية الجديدة، وهو ما دعا كثير من الكتّاب، ومنهم كاتب هذه السطور، إلى المطالبة بإعادة النظر في ربط ريالنا في مقابل العملة الأميركية التي هبطت معها بريالنا المثبت بسعر صرف ثابت في مقابلها، وكان آخر تعديل في سعر الربط بين العملتين منذ 23 عاماً تقريباً. وعلى رغم أن المطالبة خفتت بعد الأزمة المالية التي ضربت العالم في أواخر 2008، إلا أن التوقعات بانتعاش «خضراء الظهر» لم تتحقق، فعلى رغم تحقيق الدولار بعض التحسن الطفيف في مقابل اليورو والجنيه الإسترليني، إلا أنه سرعان ما عاد للتدهور مرة أخرى، وهذا بدوره ما سيعيد الجدل بين اقتصاديينا وأكاديميينا من جهة، ونظرائهم متخذي القرار في وزارة المالية ومؤسسة النقد من جهة أخرى. وعلى رغم إصرار وزارة المالية ومعها مؤسسة النقد على الربط الثابت، وعدم التغيير، بحجة أن الربط أعطى لريالنا استقراراً، وجنبنا مخاطر تقلب العملات، إلا أن التقرير الشهري لمنظمة «أوبك»، عن شهر تموز (يوليو) المنصرم يحمل في طياته أرقاماً تجعل الشخص يتساءل عن جدوى هذا الربط على رغم إضراره الكبير باقتصادنا. فالتقرير (نشرت «الحياة» مقتطفات منه) يشير إلى أن متوسط سعر نفط «أوبك» سجّل خلال حزيران (يونيو) الماضي 68.36 دولار للبرميل، ولكنه لا يتجاوز 43.89 دولار وفقاً لأسعار 2001 (سنة الأساس)، نتيجة التضخم وانخفاض الدولار في مقابل العملات العالمية الأخرى، بمعنى أن 24 دولاراً على وجه التقريب هي خسارة محضة من دون مقابل نتيجة التضخم وانخفاض قيمة صرف العملة الأميركية. وبمعنى آخر، أن ما كنا نشتريه قبل ثمانية أعوام ب 44 دولاراً أصبحنا نشتريه اليوم ب 69 دولاراً من دون أي تغيير في الكمية. وللمقارنة فقد كان متوسط سعر برميل النفط لشهر يونيو 2008 هو 105 دولارات للبرميل، وهنا يمكن القول إننا فقدنا بين يونيو 2008 والشهر نفسه من العام الحالي 36 دولاراً للبرميل، نتيجة لانخفاض السعر في السوق العالمية، إضافة الى فقدنا 24 دولاراً المشار إليها سابقاً، وإن كنا لا نستطيع تجنب الأولى إلا أننا بالتأكيد نستطيع تجنب الثانية. من جهة أخرى، وعلى رغم ربط عملتنا بالدولار، إلا أننا لا نصدر لأميركا إلا 1.02 مليون برميل يومياً بحسب التقرير، إذ يأتي استيراد السوق الأميركية من النفط من كندا أولاً ثم المكسيك ثانياً، ثم إن صادرات «أوبك» مجتمعة لا تتجاوز 4.35 مليون برميل يومياً او مانسبته 44 في المئة من واردات أميركا من النفط يومياً. وما أود الإشارة إليه هنا هو أننا لا نستفيد كثيراً من ربط ريالنا بالدولار، وبخاصة أن عمدة صادراتنا وهو النفط لسنا المصدر الأول لأميركا منه، ولو كانت أميركا هي سوقنا الأولى لربما وجدنا بعض العذر لاستمرار ربط الريال في مقابل الدولار. يضاف إلى ذلك، أن طفرة اقتصادنا وبالتالي ارتفاع مستوى الادخار والاحتياط الحكومي مع بداية تدهور الدولار منذ 2002 تقريباً، يعني أن هذه المدخرات تتآكل سنوياً بمعدل تدهور الدولار، وما يعني أن ادخارنا من الدولارات في 2002 نقصت قيمته الحقيقية بنسبة لا تقل عن 35 في المئة، هي نسبة تدهور العملة الأميركية. نقطة أخرى، وهي إشارة البعض إلى حرص الصين على الاحتفاظ بالدولار وزيادة احتياطاتها منه، وهي نقطة لا يمكن الاحتجاج بها في حال السعودية، فأميركا ما زالت تحاول مع الصين لرفع سعر عملتها المثبتة في مقابل الدولار، لأنها بحسب أميركا مقومة بأقل من قيمتها في مقابل الدولار، وهو مايجعل صادرات الصين لأميركا رخيصة، بل مسيطرة على السوق الأميركية، ولكننا لا نصدر إلا النفط، ولسنا مسيطرين فيه على السوق الأميركية، كما انه لا يوجد لدينا صادرات أخرى نهتم برخص سعرها في أميركا لنزيد صادراتنا منها. وأخيراً، فإن كان من مصلحة أميركا انخفاض قيمة دولارها بما يجعل صادراتها أرخص ووارداتها أغلى، إلا أن حالنا ليست كذلك، لأننا نستورد 99 في المئة من حاجاتنا، وليس من مصلحتنا غلاء سعرها بالتأكيد. وأختم بأن موضوع ربط الريال بالدولار، وإعادة تقويم سعر الربط بين العملتين يتطلب دراسة مستوفية للمصالح في مقابل الأضرار، وهو ما يتطلب تكليف لجنة أو فريق علمي من قبل المقام السامي لدرس الموضوع، وتقديم الخيارات المتاحة فيه، ومن ثم اتخاذ قرار مواصلة الأمر أو تعديله بما يتفق مع مصلحة اقتصادنا أولاً وأخيراً، وبما يقطع الطريق على عودة الجدل العقيم بين الاقتصاديين ومسؤولينا الذين بيدهم اتخاذ القرار. * اقتصادي سعودي [email protected]