شاب في الخمسين أو مراهق في الأربعين أو «عيل» في الثلاثين أو «لم يولد بعد» في العشرين. ليست توصيفات هزلية، أو تصورات خيالية، بل هي وصف من وحي واقع الحال المصري في منتصف عام 2013، وذلك بعد عامين ونصف العام من ثورة الشباب في كانون الثاني (يناير) 2011 التي أعقبتها مرحلة انتقالية عاصفة ثم ثورة شبابية متمردة لتنهي عاماً من حكم جماعة دينية كادت تحوّل البلاد من «مصر البهية» إلى «مصرستان» هزيلة. هزيلة هي أيضاً الأدوار التي كانت الموكلة إلى الشباب عقب ثورة يناير، وهزيلة أيضاً المكانة التي وضعوا فيها عقب أحداث 30 حزيران (يونيو) الماضي وما تلاها من عزل الرئيس محمد مرسي من قبل القوات المسلحة استجابة للمطلب الشعبي الذي فجره شباب «تمرد». شباب مصر من «تمرد» وغيره يتابعون مجريات الأمور في مصر وهم يتأرجحون بين الضحك والغضب. صحيح أن كابوس الجماعة والحكم الديني الذي امتطى الثورة ظل يؤرقهم، وصحيح أن كثيرين منهم ينظر إلى «البوب» (الدكتور محمد البرادعي) بعين الإعزاز والتبجيل، وصحيح أن منهم من تتلمذ هو وأبواه على أيدي رئيس الوزراء الجديد الدكتور حازم الببلاوي، وصحيح أن كثيرين يرون في الدكتور كمال الجنزوري نموذجاً للرجل الطاهر اليد الصادق النيات، إلا أن متوسط أعمار الكثيرين ممن تم اختيارهم في التشكيل الحكومي الجديد يقف على طرف النقيض من مصر الشابة وزخمها السياسي الذي قاده الشباب من دون منازع. خالد سامي (22 عاماً طالب جامعي) يقول: «المشكلة ليست في غلبة الشعر الأبيض على التشكيل الوزاري فقط، لكنها في الكوادر والخبرات المصرية الكثيرة القادرة على تقديم حلول غير تقليدية، بحكم السن إلى جانب الدراسة والخبرة العملية، في هذه المرحلة الاستثنائية والخطيرة في تاريخ مصر. وعلى رغم أن كثيرين من الشباب غير راضين عن كهولة الحكومة، إلا أن هناك شعوراً عاماً بإعادة ترتيب الأولويات حتى نجتاز الأزمة الطاحنة الراهنة، بمعنى علينا تحمل السلبيات الراهنة لنجتاز الأزمة ثم يحاسب بعضنا بعضاً». إلا أن الحسابات كثيرة ومتشعبة وذاكرة الشباب تتسع للكثير. فمن «شلوت إلى الأمام» حصلوا عليه إبان فترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة بعد انتهاء فعاليات ثورة يناير، إلى «شلوت للخلف» إبان حكم جماعة «الإخوان المسلمين» ممثلة في حكم محمد مرسي الذي لم يأل جهداً في خطبه الكثيرة بالإشارة إلى الشباب، الأحياء منهم والأموات، إلا أن لا القلب أثمر نتائج فعلية تصب في مصلحتهم، ولا القصاص تحقق لإنصاف الأموات. ليس هذا فقط، بل إن ماكينة الحكم «الإخواني» كانت بدأت تنتقم من عدد من رموز شباب الثورة، تارة بتلفيق الاتهامات، وتارة بتشويه السمعة، إضافة إلى عدد من حوادث القتل المريبة التي لم تتضح أبعادها بعد. وبينما يمضي الشباب حالياً وقته في متابعة الموقف عن كثب سواء عبر شاشات التلفزيون أم شاشات الكمبيوتر أم من خلال النزول إلى الميادين المختلفة، يتوقع ألا يستمر اكتفاؤهم بالمشاهدة طويلاً. فقد خرج المارد الشبابي من محبسه بعد طول غياب في سنوات التبلد وعقود الإقصاء السياسي والتهميش الاجتماعي، ولم يعد في الإمكان إعادته أو إجباره في كل مرة على التقهقر إلى مقاعد المشاهدين بعد انتهائهم من أداء المشاهد الافتتاحية في كل عمل جليل وثورة عظيمة. الثورة العظيمة التي دفعت كل المصريين إلى التغني بشباب مصر ووطنيتهم وعزيمتهم ووجود إجماع على أنهم يستحقون تقلد المناصب وإشراكهم فعلياً في إدارة شؤون البلاد والعباد، أدت إلى نتائج لا يحمد عقباها، وهو ما أنسى المصريين قصائد الغزل التي سبق وقرضوها غزلاً وحباً ومطالبة بوضع الشباب في المقدمة. ومع زيادة الإحباط وتفاقم اليأس، خلع كثيرون رداء تبجيل الشباب تماماً ورموه جانباً، رافعين شعار «الخبرة» و «الوضع لم يعد يحتمل التجربة». وتقول مي طارق (25 عاماً) إن كل من تعرفهم في محيط أهلها وجيرانها ممن ليسوا شباباً توقفوا تماماً عن نبرة أحقية الشباب في القيادة والمناصب العليا، وذلك بعدما شعروا بأن سفينة الوطن في طريقها إلى الغرق، ولم تعد الأمور تتحمل أية تجارب شبابية تحتمل الخطأ أو الصواب. تقول: «والدي كان من أشد الداعمين للشباب عقب ثورة يناير، والسبب الرئيسي لمعارضته حكم مرسي كان كذبه في ما يختص بحقوق الشباب، سواء حق من ماتوا أم حق من عاشوا ووعدوا بأن تكون لهم باع في قيادة مصر إلى بر الأمان». وتضيف: «ومع عزل مرسي، كنت أتوقع أن يعود والدي إلى سابق مطالباته بأن يتصدر الشباب المشهد السياسي، لكنه لم يفعل، بل فوجئت به يعارض مجرد الدخول في جدل في هذا الشأن ويقول: فات الميعاد والوضع في البلد لم يعد يحتمل إلا أن يتصدر المشهد خبراء وإن كانوا في العقد السابع أو الثامن من العمر». وهو ما كان! كهولة القيادة في مصر هذه الأيام لا تزعج كثيرين، باستثناء المزعوجين أصلاً من عزل محمد مرسي. وباتت أحاديث «الخبرة» شعار المرحلة، وذلك إنقاذاً لما يمكن إنقاذه. وعلى سبيل الإنقاذ، تطرق برنامج إذاعي قبل أيام إلى موضوع «الخبرة أم الشباب؟» معتمداً على استقبال مكالمات المستمعين الهاتفية. الغالبية العظمى من المستمعين بدأت بمقدمة نظرية أفلاطونية عن ضرورة وضع شباب مصر الذي صنع 25 يناير و30 يوينو في المقدمة، ولكن ربما بعد انتهاء المرحلة الانتقالية الحالية لأننا لم نعد نتحمل إخفاقات حتى وإن كانت بحسن نية. المستمعة الوحيدة التي أصرت على ضرورة تقلد الشباب مناصب القيادة الآن من دون مقدمات لأن بينهم خبرات ولديهم كوادر بسؤالها عن السن الأمثل لأولئك الشباب قالت: «بين ال45 وال55»!