في محافظة القنفذة لا تتكلف النساء الراغبات في حضور صلاة العشاء والتراويح خلال شهر رمضان الكريم إلا عقد النية لذلك وارتداء عباءاتهن وتجشم مغادرة بيوتهن إلى أقرب مسجد، إذ لا تجد مسجداً في قلب المحافظة أو أطرافها إلا وقد بني إلى جانبه مصلى للنساء، يستعيد دوره وتفتح أبوابه خلال هذا الشهر الفضيل. وتحرص كبيرات السن من نساء القرى في القنفذة على حضور صلاة العشاء والتراويح مع جماعة المسلمين، إذ يفوق عدد النساء في مساجدها جموع الرجال أحياناً، إذ تجد النساء في رمضان فرصة للصلاة فوق أطهر البقاع بعد احتباسهن عن ذلك على امتداد العام. في الطريق إلى المسجد تضع عجوز جاوزت ال80 يدها على كتف ابنتها الصغيرة التي تدلها إلى طريق المسجد وقد تجشمت الصلاة فيه على رغم متاعبها الصحية ومشاق الكبر. تدخل مصلى النساء قبل إعلان الأذان وتجلس في مقعدها البلاستيكي وتنغمس في الدعاء والصلاة والذكر حتى يحين موعد العشاء والتراويح، وبعد انتهائها لا تكاد تفارق المسجد لشدة ما تعلقت به. تحرص أم محمد على اصطحاب «المجمر» الذي تشتعل فيه أعواد البخور مع قطع الحطب المتفحمة، وفي طريقها إلى المسجد تلاصق جدران البيوت لمجانبة خلطة الرجال وهم في طريقهم إليه، ثم تضع المجمر في وسط المصلى لينشر عبقه الدخاني في أطراف المسجد استعداداً لاستقبال المصليات. داخل المصلى تهتم الصغيرات بتلبية حاجات الكبيرات من توزيع الماء وتناوب البخور والمناديل وتوجيه مسار هواء المكيفات للحرج الذي تلقاه الكبيرات من البرودة، بينما يهتم المشرف على المسجد بتجهيز المصلى وترتيبه منذ صلاة المغرب لتهيئته بما يليق باستقبال النساء ثم يعقب خروجهن لإطفاء أجهزة التبريد والإضاءة وإغلاق باب المصلى حتى يحين موعدهن المقبل. بعض أئمة المساجد النشطة تقوم بتحضير لقاءات دعوية وعقد محاضرات نسائية مع أفضل المحاضرات والداعيات المتخصصات في هذا الشأن لتلقي استجواباتهن الدينية وتعليمهن أمور الدين وما يتعلق بهن خلال هذا الشهر الكريم، فضلاً عن استفادتهن من المحاضرات التي تلقى في القسم الرجالي عبر مكبرات الصوت. لا يتعصب النساء في ارتياد المساجد للأئمة وأصواتهم، بل يتدخل دنو المسجد ومسافته في تفضيل خياراتهن كما تقول أم إبراهيم، التي ذكرت قصة معاناتها مع سلم المسجد الأسمنتي الذي حرمها الصلاة في المسجد القريب وكلّفها الصلاة في مسجد آخر، ولكن العقدة انفرجت بعد استجابة إمام المسجد لطلبهن وترتيب الصلاة لهن في مصلى سفلي مناسب وفق حاجاتهن. يتحفظ النساء على الخروج سريعاً بعد انتهاء الصلاة مباشرة لتجنب الاختلاط بالرجال إذ ينتظرن بعض الوقت حتى يصبح الطريق لائقاً بهن على أمل اللقاء غداً.