في 22 أيلول (سبتمبر) 2014 ظهر شريط مصور للمتحدث باسم «داعش» أبو محمد العدناني يهدد فيه الدول الغربية بتحريك خلاياه النائمة في مختلف بلدان العالم، وجاءت الاستجابات متوالية، الأولى من قبل متحول كندي جديد إلى الإسلام في 22 تشرين الأول( أكتوبر) هو مايكل زيهاف( 32 سنة) حاول مهاجمة البرلمان الكندي، حيث أطلق النار على بعض رجال الشرطة فأردوه قتيلاً، كما ظهرت استجابة أخرى لمتحول أميركي جديد إلى الإسلام في اليوم التالي يدعى زيل ويمبسون حاول مهاجمة ضباط للأمن في نيويورك بالفأس، وكاد يفتك بأحدهم لولا أن بادره آخر بطلق ناري أرداه قتيلاً كذلك، ورغم فشل هذه المحاولات إلا أنها تطرح وبقوة مسألة المتحولين الجدد إلى الإسلام وخطورة ارتمائهم في أحضان التطرف؟! يمثل المقاتلون الأجانب 20 في المئة من نسبة المقاتلين في «داعش» السورية الآن، وفق دراسة ريتشارد باريت في شباط ( فبراير) الماضي. قتل من البريطانيين وحدهم حوالى 23 قتيلاً حتى 21 الجاري، كما تواتر مؤخراً أن البروفيسور حسن كونكاتا السفير الياباني السابق - وهو متحول منذ عقود إلى الإسلام - في مصر انضم إلى «داعش»! وهو صاحب أطروحة نوقشت في جامعة القاهرة حول» النظرية السياسية عند ابن تيمية» في ثمانينات القرن الماضي، رأى فيها ربطاً بين مفهومه توحيد الألوهية التيموي ومفهوم الحاكمية المودودي القطبي! يبقى السؤال ضرورياً: لماذا كانت هذه خيارات المراهق الأميركي جون ووكر ليند، الذي قبض عليه في أفغانستان في تشرين الثاني (نوفمبر) عام 2001 ثم حوكم مدنياً بعد ذلك، وكريستوفر وول الذي اعتقلته السلطات الأميركية في نيسان( أبريل) عام 2008 وكذلك عزام الأميركي أو (آدم غادان) الذي كان آخر ظهور له في نقد «داعش» في 30 آذار(مارس) عام 2014، ويعتقد أنه من المقربين جداً من زعيم القاعدة أيمن الظواهري الآن... للإجابة عن هذا السؤال ننطلق ابتداء من كون الدعوة في المجتمعات الغربية وغير المسلمة، غالباً ما تكون فردية، وتنشط فيها عناصر الجماعات والتنظيمات الدينية، كالتبليغ والدعوة أو غيرهما التي اتخذت من الغرب ملاذات آمنة منذ فترة طويلة، وليست المؤسسات الدينية التقليدية، ويكون التكوين تفاعلياً في العالم الحقيقي أو الافتراضي من العنصر الناشط تجاه هدفه في المقام الأول، الذي قد لا يكون مستعداً لهذه المباغتة بما يكفي. ولكن إضافة إلى ذلك يمكننا الإشارة إلى عدد من الأسباب تجعل المتحولين الجدد إلى الإسلام، أو إلى أي دين آخر، وبخاصة الشباب منهم صيداً سهلاً لجماعات التطرف وثماراً ملقاة في سلة «داعش» أو غيرها في أغلب الأحيان، ويمكننا أن نوجزها في ما يلي: 1-حماسة الجديد واندفاعاته: المتحولون الجدد أكثر حماساً إلى الدين المتحول إليه، مع كونهم أقل علماً وأصالة في معرفته، في أغلب الأحيان، ممن ولدوا عليه وتعلموه منذ الصغر، أو خبروه حياتاً أطول وجدلاً مستمراً، وهذه الحماسة غير العالمة تمثل حاضنة متقدة لدفعهم في ما بعد في اتجاه الجماعات المتطرفة، وقديماً قال حكيم مسلم لوزير حديث عهد بالإسلام طالت صلاته: لكل جديد لذته! 2- وعود اليوتوبيا ويثرب الجديدة: تملأ المتحولين الجدد وعود اليوتوبيا والخلاص في إقامة ما تخيلوه مجتمعاً مثالياً، كمجتمع الخلافة الراشدة في التصور الإسلامي، وآمنوا بضرورة إقامة نموذجه الدنيوي في أنفسهم والعالم، كتطبيق شريعته أو امتثال العالمين عقيدته، ويبدو هذا الطموح ضمان تحقق إيمانهم الكامل. 3- فكرة الهجرة والمفاصلة مع مجتمعاتهم: كثيراً ما يكون المتحولون الشباب الجدد محمّلين بفكرة الهجرة والقطيعة مع تجاربهم وميولهم وهويتهم الخاصة التي تختلط بمحطتهم الجديدة، وتصير جزءاً من تديّنهم وسلوكهم الجديد، وفكرة المفاصلة مع مجتمعهم الذي عاشوا فيه ثم هجروه أو هاجروا منه، ويرونه مجتمعاً سلبياً يرفضونه، ويرونه حائط صد بينهم وبين لذة إيمانهم الجديدة، وتحقق سعادتهم في الدنيا والآخرة، وتساعدهم في ذلك مفاهيم كالهجرة والولاء والبراء ودار الإسلام وما شابه من مفاهيم، لا زال الخطاب الإسلامي مقصّراً في نشر الفهم الوسطي لها. 4- طبيعة خطاب الدعوة للمتحولين الجدد: من الضروري استحضار وتحليل خطاب الدعوة للتحول الديني الموجه إلى الأهداف الجديدة، حيث يكون خطاباً حسمياً وتبشيرياً يحمل الكثير من الوعد ومن اليوتوبيا ومن التمييز بين الحق والباطل والهدى والضلال والصواب والخطأ، والملائكة والشياطين! وكما هو معروف تمثّل الحضارة الغربية في تصور الأصوليات الدينية المعاصرة، إسلامية أو غير إسلامية، العدو الأول والضد المقدم والفاسد أو الشيطان الأكبر بتعبيراتها، وبالتالي يحمل المتحولون إليها كماً من العداء لها ولممثليها أكبر كثيراً مما هو عند المسلم الفطري، الذي ولد مسلماً، أو المتدين الطبيعي أو الوسطي الذي نجح في عقد وتحقيق التوازن والمصالحة بين أسئلة التوترات والإشكاليات. 5- خصوصية المأساة السورية: كما أن عاملاً مساعداً وخاصاً في تفسير زيادة عدد المقاتلين الأجانب من المتحولين الجدد إلى الإسلام في بلد كسورية التي اندلعت ثورتها البريئة من براءة الأطفال في درعا في2011 وتمّ قمع شعبها من قبل النظام البعثي بالقوات البرية في أيار(مايو) ثم بالقصف الجوي ثم الكيماوي، جعل هذه المظلومية تمثل مثاراً واستنفاراً كبيرًا للمجتمعات المسلمة وللمتحولين الجدد في الغرب بالخصوص، الذي رأى أن الغرب تباطأ عن نصرة هؤلاء فترة طويلة. 6- حسم الإزدواجية الثقافية: كثيراً ما يحيا المتحولون الجدد اغتراباً نفسياً وثقافياً، يعبر عنها بازدواجية الهوية، ويجدون في دعاية الجماعات الأصولية والجهادية النشطة على مواقع الإنترنت والتواصل، رغم فراغها النظري والمرجعي، قدرة على الحسم وعدم الرتابة وامتلاء بالوعد والتحدي ودعاوى الثورية وتغيير العالم، وهي الدعاية التي تجذب العديد من الشباب في المجتمع المسلم فضلاً عن المتحولين الجدد إلى الإسلام في العالم الغربي، أو كل من يعانون مشاكل ازدواجية الهوية والثقافة من أبناء الجاليات هناك، فيحضر هذا الخطاب حسماً وعلاجاً جراحياً سريعًا وعميقاً لجراحهم وتصدعاتهم النفسية!