أرهقت الحرب الكونية الأولى ألمانيا، وأضعفت مقاومة شعبها لمن يلوحون لها بالحلول السهلة لمشكلات معقدة على رغم المستوى الحضاري للشعب الألماني وإنجازاته العلمية والتقنية. ومما زاد في تحطيم مقاومة الشعب الألماني للدجل السياسي والتزييف الذي عادة لا يخفى على شعب وصل مفكروه وعلماؤه ومهندسوه إلى قمة القمم الحضارية حينذاك، ما مر به العالم أجمع من كساد مروَع بدأ بانهيار سوق المال (البورصة) في نيويورك في تشربن الأول (أكتوبر) من عام 1929. وواجهت الحكومة المنتخبة ديموقراطياً قبل أن يسود الكساد اختيارين مرين لا بد من ابتلاع أحدهما مهما بلغت درجة مرارته. إما ارتفاع نسب البطالة إلى ما يزيد على 30 في المئة أو ضخ البلايين التي سرعان ما وصلت إلى التريليونات من عملتها الوطنية (المارك) لزيادة النشاط الاقتصادي وتحاشي بقدر ما أمكن ارتفاع نسب البطالة، والذي تحقق فعلاً هو ارتفاع نسب التضخم في ألمانيا خلال الثلاثينات من القرن الماضي بسرعة فلكية، وذلك دفع غالبية من كانوا في عمر أقل من الثلاثين سنة إما إلى أحضان النازيين أو أحضان الشيوعيين. وسرعان ما أدرك رموز الشيوعيين ورموز النازيين كل بطريقته الخاصة به أن العنف الممزوج بالفوضى وارتفاع الأسعار الجنوني هما الوصفة السحرية لتولي الحكم. ولكن ألمانيا كانت جمهورية ديموقراطية. وما كان أمثال الشيوعيين وأمثال النازيين يعيرون المؤسسات الديموقراطية أي اهتمام، إلا إذا أمكن امتطاؤها إلى سدة الحكم ثم وأدها. فوجد الشعب الألماني نفسه في ورطة سياسية في انتخابات 1932. إما التصويت لمن سيصادرون الديموقراطية ويقتلعونها من الجذور (كالنازيين والشيوعيين) أو يصوتون لحزب (المستقلين) الذين وعدوا بلم الشمل لمواجهة الصعوبات المعيشية بدعم من أغلب المواطنين. فوعد النازيون كذباً بالطبع أنهم سيتعاونون مع «المستقلين» إذا فاز حزب «المستقلين» بالانتخابات. ففاز حزب «المستقلين» ب53 في المئة من الأصوات، وظفر النازيون ب37 في المئة. وابتهج النازيون بنجاحهم المحدود لأن خطتهم أنه بمجرد دخول باب «الشرعية» الانتخابية سيجدون وسيلة لتعطيل الدستور ثم تولي الحكم. وبسبب الفوضى والمآسي التي خلقها التضخم المفرط مع استمرار نسب بطالة كبيرة، استقال المستشار (أي ما يوازي رئيس مجلس الوزراء)، فقرر رئيس الجمهورية المنتخب (كان نظام ألمانيا الجمهوري نظاماً رئاسياً) تعيين أدولف هتلر مستشاراً أو رئيساً لمجلس الوزراء في كانون الثاني (يناير) من عام 1932. فزرع هتلر قادة النازيين في المواقع الاستراتيجية التنفيذية المهمة في الوزارات والمصالح الحكومية. وفي عام 1934 توفي رئيس الجمهورية المنتخب بول فون هايدنبرغ. وهذه الفرصة التي كان هتلر يتمناها، فاعتدى على الدستور وعطل المحاكم الدستورية وألغى كلياً منصب رئيس الجمهورية حتى ينفرد المستشار هتلر بكامل السلطات. من الواضح أن هتلر لم يتولّ الحكم عن طريق غالبية الأصوات في الانتخابات التي أجريت قبل توليه رئاسة مجلس الوزراء. ولكن من الواضح أيضاً أنه لولا انتخابات عام 1932 التي فاز بها غير القادر على انتشال ألمانيا من مستنقع العنف والفوضى والتضخم المتسامي بسرعة مذهلة، لما وصل هتلر الذي كذب ووعد بالتعاون للم الشمل وتوحيد أبناء الوطن إلى السلطة التي سرعان ما انفرد بها واستبد. إن للديموقراطية، بما فيها من مزايا ونقائص يعرفها جيداً أمثال الرئيس لنكولن والزعيم البريطاني تشرشل، شروطاً ضرورية وكافية لديمومتها والتقليل من بعض عيوبها المعروفة لأساتذة العلوم السياسية لا بد من توافرها. ومن الشروط التي لا يجهلها أحد في الدول الغربية الديموقراطية وجود نظام يرتكز على ثلاثة عناصر متوازنة بحيث يراقب كل طرف أداء الطرفين الآخرين. فالعنصر التنفيذي ينفذ رغبات الناخبين، والمشرعون يراقبون المنفذين. والقضاء المستقل يحكم بين الطرفين ويحمي حرمة الدستور. ومن دون قضاء مستقل لا يستطيع أحد تلويثه أو تجاهل قراراته، لا توجد شرعية ديموقراطية. ويقول الاقتصادي السعودي الدكتور حمزة السالم في مقالة نشرتها له صحيفة «الجزيرة» السعودية في يوم الخميس 11/7/2013: «انتخبت مصر مرسي معتقدة أنها ستكون كتركيا أو ماليزيا، ستأتي بإسلامي ليس له من إسلامه إلا دعوة الصدق والأمانة فإذا بها وجدت نفسها أتت بديكتاتور إسلامي متقوقع وهو أصعب وأشد بأساً من غيره، فكل عيب سيجد له تأويلاً بغطاء ديني. تكره الناس المتسلطين عليها بأي دعوة مزعومة. ولهذا انتفضت النصارى على دينها وملكها وحكامها بسبب تسلطهم عليها في دنياهم. ونحن كغيرنا من الأمم كل يزعم أن هذا من الدين وليس من دين الله في شيء وما هي إلا مصالح تتصارع على حظوظ الدنيا». * أكاديمي سعودي