تبقى في تجاويف الذاكرة تلك الأيام الرمضانية الجميلة، التي عاشها آباؤنا وأجدادنا بعنائها وبساطتها، ونكهتها الخاصة، وما إن يهل شهر الخير والبركة حتى ترى البسمة لا تفارق شفاه كل من يسكن منطقة القصيم، ولا تسمع سوى جملة وحيدة «مبارك عليك الشهر». لكل منطقة أو مدينة من مدن وطننا الغالي عادات وتقاليد للرجال والنساء والأطفال، وحتى الأكل والشرب له نكهته الخاصة، فيبدأ الاستعداد لهذا الشهر قبل دخوله بأيام عدة، من أكل وشرب. والكثير من المقتدرين من الناحية المادية يفرش فناء منزله كي يكون مكاناً لإفطار الصائمين، فتبدأ النساء بتجهيز الأكلات الرمضانية التي اشتهرت بها منطقة القصيم مثل «الحنيني» و«القشد»، المصنوعة من التمور والسمن وخبز البر، وتقدم للصائمين قبل أن يضرب «المدفع» لإعلان الإفطار، إضافة إلى التمر «السكري» والقهوة العربية، وتسمى في ذاك الحين «فكوك ريق». وبعد العودة من صلاة المغرب تقدم بعض الأكلات الخاصة منها الجريش، والقرصان، والمطازيز، إضافة إلى «السمبوسة، واللقيمات، والشوربة، وقطع البطاطس. كما يقدم معها «شربيت» وهو عبارة عن عصير توت أو عصير برتقال، كما تعودت غالبية العائلات على إرسال أولادهم الصغار قبل صلاة المغرب للشوارع ومعهم ما تجود به النفس من مأكل ومشرب لتوزيعها على أبناء السبيل أو المحتاجين والمساكين. ولم ينسَ أهل القصيم الجار، فكل جار يهدي جاره «بادية» فيها تشكيلة من طبخهم وتسمى «ذواقة». في حين تختلف أوقات وجبة السحور بين الأهالي، فمنهم من يفضلها في آخر الليل، ومنهم من يتعمد تأخيرها إلى قبل أذان الفجر بدقائق تيمناً بالسنة النبوية، وغالباً ما تكون «كبسة» لحم حاشي مع «طاسة» لبن بلدي. أما الأطفال فهناك الكثير من الألعاب الرمضانية التي تستهويهم، خصوصاً عندما يصادف شهر رمضان المبارك فصل الصيف، ففي اليوم ال 14 تطوف الفتيات على أبواب الحارة ويرددن العبارة الشهيرة «حققونا بققونا ولا جاء أبونا حققناكم»، والمقصود بها أن يهدي لهم أصحاب المنزل بعض الحلوى أو الألعاب، وعندما يعود والدهم من العمرة مصطحباً الألعاب والهدايا سيتم رد الجميل لكم. فيما يردد الأولاد العبارة ذاتها في اليوم ال 15 وال 16 من رمضان. أما الشباب فتكثر تجمعاتهم في الأماكن المفتوحة، ويمارسون لعب كرة الطائرة، والمشاركة في الدوريات الرمضانية لكرة القدم، فيما يتفرغ كبار السن من الرجال والنساء للعبادة وأداء صلاة التراويح والقيام، وقراءة القرآن، والاعتكاف في المساجد في العشر الأواخر من رمضان. وما إن يُعلن عن يوم العيد، حتى تبدأ الأسر في طبخ «العيدية» كلٌ بحسب إمكاناته، فمنهم من يقدم ذبيحة مع الرز، ومنهم من يقدم «بادية» قرصان أو جريش، ويتجمع الأقارب وسكان الحي بالقرب من المساجد بعد فرش الأرض ب«الزوليات» لتناول «العيدية» بعد صلاة العيد مباشرة، مصطحبين معهم جميع أفراد العائلة، فيما تجتمع النساء والفتيات في منزل كبير العائلة.