يبدو أن حجم استيراد السعودية من السيارات المرجح أن يصطدم وفق تقارير إحصاء بحاجز 100 بليون، له أكثر من دلالة في حياة السعوديين، وإن كانت المركبات الأميركية بعينها ارتبطت بعلاقة عاطفية، ورسمت صورة واضحة في الثقافة الشعبية منذ الستينات الميلادية، وبدء تدفق النفط من الأراضي السعودية. على أن تلك العلاقة العاطفية لم تكن لتبرز بوضوح لولا ظهور السيد التقني الأميركي، (يوتيوب)، والذي يحتفظ برصد بصري لمراحل مختلفة عبر عقود عدة ترسّخ ارتباط السعوديين بمركبات محددة كالجواد الأميركي الأحمر «الجمس» كما يلفظه السعوديون في مناطق كثيرة. وفي حياة السعوديين، أكثر من «جمس» ارتبط بحياتهم وذائقتهم وثقافتهم المحكية والشعرية والاجتماعية، لا تخلو من التضاد كما لا تخلو من التناغم، وفي مقدمها «جمس الأحسائي» بالأغنية ذائعة الصيت «الله على الجمس لولا وارد الستين» التي اشتهرت عند شباب الستينات الميلادية، وقبل أن يدخل التلفزيون رسمياً بأعوام عدة. ويروى أن كاتب كلماتها كان صاحب كراج للسيارات من دولة خليجية، لذا جاء الوصف الشعري لكل تفاصيل المركبة التي كانت آسرة أفئدة السعوديين في ذلك الحين. لكن الراصد اليوتيوبي، يؤرخ ل «جمس الهيئة» وهي الجهة المعنية بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في البلاد، باعتباره «الجمس الأكثر جدلاً عند السعوديين، خصوصاً عقب حلقة شهيرة للبرنامج الرمضاني «طاش ماطاش» حملت حلقة موسومة ب «جمس الهيئة»، وهو الجدل الذي ينتقل حتى للتعليقات حول كل مقطع «يوتيوبي» عن الهيئة و«جمسها» الشهير، بالنظر لكثرة وحجم التفاعل، وإن كان لظهور وانتشار الأجهزة الذكية دور كبير في ذلك. وفي أكثر أسواق السيارات المستعملة في السعودية، في مدينة جدة، يتكئ سالم القحطاني على سيارة كورية، ويعلق حول أكثر «جمس» في ذاكرته، بالقول مبتسماً: «طبعاً جمس الهيئة..ركبته مرة وأتمنى ألا تتكرر» بينما يقول إن سيارة أخيه الأكبر مليئة بقصائد وأغان عن «الجمس» الذي لا يفضل اقتناءه حالياً نظراً لاختلاف طبيعة الشباب عن السابق الذين كانوا يفضلونه. وعربيا، اشتهر «جمس سعودي» على حناجر مطربين كثر يمثلون الصف الأول من مطربي السعودية والخليج، وهي الأغنية الشهيرة «على الريش من منعكم ..لايمر الجمس من دون تفتيش» التي يدور جدل كبير حول مصدرها، ومدى نسبتها للتراث، بينما تقول مصادر غير مدققة، إن الكلمات الأساسية هي للشاعر المعتقي، قبل أن تتسلل القصيدة للجزيرة العربية من الجنوب، ثم تسافر خارج حدود الجزيرة نفسها، حتى غناها معظم مطربي الخليج. ويقول أشخاص كانوا عاصروا أطفالاً، طفرة انتشار التعليم النسائي في السعودية، - الذي بدأ رسمياً في العام1960 بشكل بسيط، ثم انتشر بعد معارضة كبيرة في بداياته من بعض التيارات المحافظة - ، أن «جمس البنات» هو الأشهر في ذاكرتهم. ويعلق محمد بن قاسم، الذي يمتهن الدلالة على السيارات، وهو يتلمس أطراف لحيتة التي غزاها الشيب قليلاً: «مشهد الجمس الذي يدخل قريتنا ويقوده رجل كبير في السن، لتخرج فتيات القرية واحدة تلو الأخرى، هي اللقطة الأكثر رومانسية في ذاكرتي» ليقاطعه رفيقه في جلسة على زاوية معرض للسيارات: «الآن مشهد ضحايا الموت بحوادث الطرق من المعلمات، أفسد علينا ذكريات الماضي!» بينما عرج آخر لمشهد «جمس الحجاج» الذي يظهر مرة كل عام بحلة بيضاء من الحجاج والأمتعة، ويأتي محملاً لأطفال القرية ونسائها بالهدايا. واليوم تشير تقارير اقتصادية إعلامية، إلى أن تنوعاً كبيراً في حجم الاستيراد من أسواق أخرى، غير السوق الأميركية، حتى باتت السعودية ثالث أكبر مستورد للسيارات الكورية، مما يعني برأي متابعين، أن اختلافاً في الذائقة والحاجة والعلاقة بين السعودي ومركبته، وأن الجوادين «الكوري» و«الياباني» هما اليوم ينافسان الجواد «الأميركي» على خطف قلب وذاكرة المستهلك السعودي. وبالعودة للراصد اليوتيوبي، فإن حقيقة هذا التنوع الاستيرادي، باتت ملموسة في مقاطع كثيرة أكثر من ذي قبل منذ أواخر الثمانينات الميلادية، بعد عودة الحصان الأميركي الآخر «فورد» للسعودية إثر قطيعة اقتصادية امتدت لسنوات طويلة، والتطور الملاحظ في صناعة السيارات لأصحاب العيون الصغيرة والطموحات الواسعة في السوق السعودية، من اليابانيين والكوريين. والشاهد في الأمر، أن خمس مركبات «جمس» هي التي رصدها «اليوتيوب» أكثر من ذاكرة «الانستولوجيا» السعودية (أي عقدة الحنين إلى الماضي)، وهي «جمس الأحساوي الفني، وجمس على الريش التراثي، وجمس البنات، وجمس الحجاج، وطبعاً جمس الهيئة» وإن كان جمس الهيئة يحتل صدارة الترتيب بنحو خمسة آلاف مقطع، يليه جمس الأحسائي بما يزيد على ألفي مقطع.