الجدل الرئيس الذي دار بعد إعلان الفريق أول وزير الدفاع المصري عبدالفتاح السيسي إنهاء حكم الرئيس المصري محمد مرسي هو: هل ما حدث كان «ثورة تصحيحية» لمسار الثورة، أم هو «انقلاب عسكري» على الثورة؟ سأحاول في هذه المقالة الخروج عن هذه الخيارات وطرح عدد من الملاحظات الأساسية على كل محاولة للإجابة عن هذا السؤال. الملاحظة الأولى تتعلق بمسألة التفريق بين الاسم والحكم، فعندما أسمي هذه الآلة الميكانيكية التي تسير على أربع كفرات أمامي باسم «سيارة»، فهذا لا يقتضي أبداً أني أبدي حكماً بإعجابي بها أو تفضيلي لها أو حتى رفضي لها، هذا المثال الواضح البسيط، ما إن ندلف عالم السياسة حتى نجد أن الأمور معقدة بشكل كبير، إذ إن القضية الجوهرية خلف الخلاف حول تسمية ما حدث بأنه «ثورة» أو «انقلاب»، ليس عدم الاتفاق على العناصر الأساسية لما حدث، بقدر ما هو خلاف على «حكمنا» على ما حدث، من يرفض ما حدث يسميه «انقلاباً»، ومن يرحب به يسميه «ثورة»، هنا تفقد الأسماء والأوصاف قيمتها الوصفية التي تساعدنا في الفصل بين الظواهر والتمييز بينها، وتتحول إلى أحكام، فكل «انقلاب» يعني أمراً سيئاً، وكل «ثورة» تعني أمراً جيداً. فور أن نُجري فصلاً بين أسماء الظواهر وحكمنا عليها، سيصبح النقاش أكثر وضوحاً ودقة، فعلى سبيل المثال، ما يتم تسميته «ثورة كانون الثاني (يناير)» يحمل من السمات المشتركة مع ما حدث في «30 من حزيران (يونيو)»، بحيث أن كل عملية تمييز بين الإثنين تغدو صعبة، فكما أن الجيش هو من أسقط مرسي، هو أيضاً من أسقط مبارك، وكما أن الجيش هو من علق العمل بدستور مرسي، هو أيضاً من علق العمل بدستور 1971، بل إن الجيش بعد إسقاطه لمبارك مارس الحكم بنفسه، في حين أنه بعد مرسي قرر تنصيب رئيس المحكمة الدستورية رئيساً للبلاد، وعلى رغم كل هذه التشابهات بين الحادثتين، يصر البعض على تسمية إحداهما أنها «ثورة» والأخرى أنها «انقلاب»، وذلك فقط لأنه يتعامل مع هذه الكلمات بوصفها أحكاماً أكثر من كونها توصيفاً للأحداث. قد يقول البعض إن ما يحسم كون الأولى «ثورة»، وأن الأخرى «انقلاباً»، هو أنه في الأولى قام الجيش بالانقلاب على حاكم دكتاتور، في حين أنه في الثانية قام بالانقلاب على حاكم منتخب، وهذا التفريق لا معنى له، فوصف «الانقلاب العسكري» لا يشترط شروطاً معينة في الحكومة التي تم الانقلاب عليها، بقدر ما يكون محصوراً في كون المؤسسة العسكرية قامت بالاستيلاء على المؤسسة المدنية بغض النظر عن كيفية وصول هذه المؤسسة المدنية للسلطة. الملاحظة الثانية تتعلق بإهمال شبه كامل لعنصرين أساسيين في ما حدث، وباعتقادي أن إعادة الاعتبار لهذين العنصرين يجعل السؤال «هل هي ثورة أم انقلاب؟»، سؤالاً غير دقيق، هذان العاملان هما أن تدخل الجيش جاء بعد حراك جماهيري كبير، واتفاق مع القوى السياسية، وممثلي المؤسسات الدينية والوطنية كافة، من حزب النور السلفي إلى الحركات الثورية الشبابية، وتوصيف ما حدث بأنه «انقلاب»، هو - على أقل تقدير- اختزال للظاهرة، العامل الآخر المهمل هو أن الانقلاب العسكري عادة ما يفترض نوعاً من انفصال بين المؤسستين العسكرية والمدنية، وادعاء أن مثل هذا الانفصال حاصل في مصر، سواء أيام مبارك أو أيام مرسي هو ادعاء فج، فالمؤسسة العسكرية المصرية لم «تخرج» من السياسة حتى نستطيع الحديث عن «عودتها» إليها، وهل هو انقلاب أم لا؟ إعادة الاعتبار لهذين العاملين يجعلنا أمام ظاهرة ملتبسة وغير واضحة المعالم، وأي محاولة لاختزالها في عامل واحد هو نوع من التسطيح وعدم الدقة. الظواهر البشرية معقدة، وإذا كانت الكلمات والمصطلحات التي بحوزتنا لا تسعفنا في القبض على عناصرها كافة، فإن الباحث المدقق لا يقوم بالتضحية بعناصر الظاهرة ليجعلها ملائمة للمصطلح الذي بحوزته، بل عليه التضحية بالمصطلح ومحاولة توليد آخر من قلب الظاهرة نفسها، يستطيع القبض على عواملها كافة. الملاحظة الأخيرة، هي أن تركيز الحديث حول ما إذا كانت «ثورة» أم «انقلاباً» يلغي السياق الكبير الذي تجري فيه الأحداث في مصر وهو سياق «المرحلة الانتقالية». فمنذ سقوط مبارك، بدأت عملية معقدة من التحول في النظام، هذه العملية تتدافعها ثلاث جهات: الجيش من جهة، والحركات والأحزاب من جهة، والحركات الثورية من جهة أخرى. والتعامل مع انتخاب مرسي على أنه «نهاية المرحلة الانتقالية وبداية النظام الديموقراطي» هو تسطيح، وذلك لسبب بسيط وهو أن مرسي وصل للرئاسة قبل أن يُكتب الدستور، وبالتالي، في حال النظر لما حدث على أنه إحدى فترات المرحلة الانتقالية، فإن تقويمنا للحدث ينطلق من مجمل تقويمنا لما جرى في مصر منذ سقوط مبارك. إعادة الاعتبار لهذه الملاحظات الثلاث، يجعل من السؤال «هل هي ثورة أم انقلاب؟» سؤالاً مضللاً وغير مفيد، ولهذا فأنا أقترح أن يكون السؤال هو الآتي: «هل ما حدث مفيد لإنجاح العملية الانتقالية أم أنه مضر؟». والجواب عن هذا السؤال لا يتم إلا بمراجعة دقيقة لما حدث في الفترة الممتدة من سقوط مبارك حتى سقوط مرسي. * كاتب سعودي. [email protected] @sultaan_1