في ضاحية المعادي (جنوبالقاهرة) صعدت سيدة منتقبة البنايات، طرقت على أبواب المنازل، تحض السكان على التبرعات للفقراء قبل شهر رمضان الكريم، وحين خرجت من إحدى تلك البنايات، تحدثت عبر الهاتف إلى شخص تلقّبه ب «شخنا»، فقالت له: «تم جمع المبالغ المالية... وأنا في الطريق إلى الميدان». طالبها الرجل على الجانب الآخر، بإلحاح على ما يبدو، ب «الإسراع في العودة» بسبب الحاجة إلى المال. كانت الإمرأة في الواقع تجمع التبرعات لأحد «جنرالات» جماعة «الإخوان المسلمين» الميدانيين كي يتم انفاقها على المعتصمين الرافضين لعزل الرئيس السابق محمد مرسي في ميداني: «رابعة العدوية» في مدينة نصر، و «النهضة» في الجيزة. ومنذ إعلان الجيش المصري عزل الرئيس الإسلامي مرسي، ليلة الأربعاء الماضي، تحركت قوات الأمن لاستهداف قيادات في الجماعة: فاعتقلت في البداية رئيس حزب «الحرية والعدالة» سعد الكتاتني ونائب المرشد رشاد البيومي، بعدها تم توقيف المرشد السابق مهدي عاكف وأمين حزب الإخوان في الجيزة حلمي الجزار، ومحامي الجماعة عبدالمنعم عبدالمقصود، قبل أن توجه السلطة ضربة للتنظيم بتوقيف نائب المرشد خيرت الشاطر، إضافة إلى المحامي السلفي حازم صلاح أبو إسماعيل. ووجهت النيابة المصرية إليهم جميعاً تهماً تتعلق بشبهة «التحريض على قتل المتظاهرين». لكن هذه الاعتقالات والضربات لم تؤثر كما يبدو في تحرك الجماعة على الأرض وفي الشارع. فهناك قيادات - مثل نائب المرشد محمود عزت والأمين العام للجماعة محمود حسين وعضو مكتب الإرشاد محمود غزلان - ما زالوا طلقاء ويديرون جزءاً من ماكينة «الإخوان»، سواء بالتصعيد في الشارع أو فتح خطوط اتصال مع الحكم الجديد للتسوية السياسية. أما المرشد العام للجماعة محمد بديع فقد ظهر في خطبة إطلاق المواجهة مع الحكم في رابعة العدوية، لكن نشاطه حالياً غير واضح ربما بسبب كونه مطلوباً لدى الأجهزة الأمنية. ميدانياً يبرز اسم القيادي في «الإخوان» محمد البلتاجي والداعية صفوت حجازي كمحركين لمشهد تظاهرات المعارضة لتحرك الجيش في الشارع، فهما معتصمان مع مناصري الجماعة في ميدان رابعة العدوية ويلعبان دوراً بارزاً في تحريك التظاهرات ذهاباً إلى دار الحرس الجمهوري، وإياباً إلى رابعة العدوية، إضافة إلى إطلاق المواقف التي تدافع عن «الإخوان» وتشرح سياساتهم من الأزمة الحالية إما من على المنصات أو من خلال الحديث إلى وسائل الإعلام. وفي المقابل، أوكل، كما يبدو، إلى نائب رئيس حزب «الحرية والعدالة» عصام العريان قيادة التحركات في محافظة الجيزة، وإلى المتحدث الإعلامي جهاد الحداد مهمة مخاطبة وسائل الإعلام الدولية، وإلى ياسر محرز مهمة الحديث إلى وسائل الإعلام الداخلية. ويتميز تنظيم «الإخوان» بالبناء الهرمي، وهو ما مكّنه من التحرك بفاعلية في الشارع، على رغم الملاحقات الأمنية في عهد الرئيس السابق حسني مبارك. ولذا فإن توقيف بعض رموز الجماعة الآن لن يؤثر بالتأكيد على البناء التنظيمي للجماعة. لكن يبرز هنا دور رئيس لرؤساء المكاتب الإدارية وأمناء المحافظات في حشد المؤيدين في تظاهرات خرجت في المحافظات طيلة الأيام الماضية، وتدبير نفقتهم، إضافة إلى تحريك القوافل للانضمام إلى المعتصمين في «رابعة العدوية» و «النهضة». وبحسب أحد نشطاء «الإخوان» تحدث إلى «الحياة» رافضاً كشف اسمه، فإن التعليمات تصدر إليهم عبر مدراء المكاتب الإدارية وأمناء المحافظات، وهم الذين يتلقون التعليمات عبر الاتصال مع قادة مكتب إرشاد الإخوان، مشيراً إلى أن مدراء المكاتب الإدارية يجرون اتصالات برموز المناطق الذين يلعبون دور التواصل مع عناصر الإخوان في كل منطقة وحشدهم، و «هو ما أعتدنا على حصوله حتى في الانتخابات والاستحقاقات التي تجري في البلاد، تأتينا التعليمات من قادتنا وهم يتلقون التعليمات من الكبار». أما بخصوص تدبير الأموال، فكشف ضمنياً أن الجماعة تدبر نفقتها عبر تكثيف التبرعات. وقال: «لدينا محبون في كل المناطق يتبرعون لتدبير النفقات... وهذا الدعم يزداد بكثافة في أوقات الضيق».