مشاجرة هنا وأخرى هناك، ليست مشاجرات عادية، فمنها ما راح ضحيته قتيل، وسجين. هي حال جديدة بدأت تشهدها المجمعات التجارية في الكويت. مشاجرات بالجملة، بين شباب، أسبابها موقف سيارة، أو «خزة» أي نظرة حادة من أحدهم، أو ربما بسبب تغلب نادٍ رياضي على آخر! إنه أسلوب جديد في التعامل بين الشباب في الكويت استدعى تدخل قطاع الأمن العام الذي اتخذ قراراً بإعادة العمل بنظام شرطة الأسواق خلال عطلة نهاية الأسبوع والعطلات الرسمية والأعياد، ويتمثل في نشر عدد من رجال الأمن داخل المجمعات التجارية لحفظ الأمن ومراقبة المشاغبين. هو واقع جديد يجمع مراقبون في علم الاجتماع على حداثته وخطورته، ولعل المشاجرة التي وقعت قبل أشهر بين طبيب لبناني وشاب على موقف سيارة، وقتل الطبيب على إثرها، تعد أكبر مثال على خطورة الأمر الذي ينذر بالتفاقم. ويضاف إلى تلك الحادثة مشاجرة «الخزة» في مجمع الأفنيوز الذي يعد أحد أشهر المجمعات التجارية في الكويت، ونشبت بين عدد من الشباب وراح ضحيتها مجموعة منهم بين إصابات خطرة وأخرى طفيفة، ناهيك بالفيديو الذي انتشر على شبكات التواصل الاجتماعي، ويظهر مشاجرة حامية الوطيس بين مجموعة من الفتيات هذه المرة داخل مجمع تجاري. «الحياة» استطلعت المشهد داخل أروقة المحاكم وبين الشباب أنفسهم، فقال المحامي عبيد العنزي إن هناك تزايداً في ظاهرة العنف والجرائم التي تحدث في المجتمع الكويتي، وهي غير مألوفة وفق رأيه. ويقول: «أسباب تزايد العنف كثيرة وكل حالة تختلف عن الأخرى، ولكن بالمجمل تعاطي المخدرات الذي انتشر بين الشباب منذ تحرير البلاد من الغزو العراقي يعد أحد أهم الأسباب». وأضاف «هناك أيضاً ما يتعلق بفئة غير محددي الجنسية حيث لم يتم دمج هؤلاء في المجتمع، ولكنهم تركوا بلا وظيفة بسبب المعوقات التي تضعها الحكومة، ومنعهم من العمل ووجود وقت فراغ لا يتم شغله بالعمل ولا بالدراسة». ويعتبر العنزي أن الفراغ سبب رئيسي للعنف الذي يحدث في المجمعات التجارية والأماكن العامة، لذلك كثرت في الآونة الأخيرة قضايا جنوح الأحداث وهذا يعود أيضاً إلى التربية، لأن الأسرة تعتبر الحاضن الأول للطفل، ومن خلال السلوكيات المكتسبة من العائلة تحدد شخصية الطفل والمراهق لاحقاً ومدى تأثره بالعنف. وعن العقوبة الواقعة على هؤلاء، يقول العنزي: «العقوبة تختلف من جريمة لأخرى، ففي قضايا القتل قد تصل العقوبة إلى الإعدام أو المؤبد، ونلاحظ تزايداً في هذه النوعية من الجرائم في المجتمع الكويتي الصغير، وهناك عقوبة السجن ومدتها تتحدد وفق الجريمة». أما عبدالكريم أحمد، وهو محرر أمني في صحيفة محلية، فيرى أن انتشار العنف لا يعني تحوله بالضرورة إلى ظاهرة ويقول: «هي ليست ظاهرة لا سيما أن دولة الكويت تحوي خليطاً وافراً من الجنسيات العربية والأجنبية، إلا أنها تشكل خطورة لما يلجأ إليه المتعصبون من وسائل إجرامية تنتهي بآثار سلبية تهدد مستقبلهم وأسرهم». ويضيف أحمد: «الخطر يكمن في استهتار الشباب المتعصبين وإفراطهم في اللجوء إلى وسائل غير مشروعة لتصفية خلافاتهم في ما بينهم من دون الاكتراث بالنتائج، فالعنف موجود في مجتمعات شرقية وغربية وبنسب تكاد تكون متقاربة وقد يقف عند حد أدنى من غيرها في بعض الدول، أما في دول أخرى ومنها الكويت فينتهي هذا العنف إلى جرائم قتل واعتداء بليغ وعاهات مستديمة نتيجة اللجوء إلى الأسلحة النارية المنتشرة والعصي والأسلحة البيضاء كالسكاكين والسواطير». ويضيف: «لعل ذلك ناتج من تعصب بعض الشباب واتباعهم سلوكيات وأفكاراً فاسدة وعادات اجتماعية خاطئة، إضافة إلى ضغوط معيشية واجتماعية لدى بعضهم الآخر، وهو أمر تشترك في مسؤوليته الدولة والأسرة، فالدولة مقصرة في الجوانب التربوية والأمنية والإعلامية التوعوية، أما بعض الأسر فتقصيرها نابع من إهمال رقابتها على أبنائها». والواقع أن مناهج وزارة التربية تفتقر إلى مواد دراسية مختصة بتقويم الطالب في مرحلة المراهقة التي تُحدد شخصيته المستقبلية، وحصص تعزز مفاهيم التسامح والأساليب السلمية في حل النزاعات. والمطلوب وفق أحمد «تخصيص مناهج تهتم بالجانب النفسي والأخلاقي للطالب وتغرس فيه الفضائل والأخلاق الحميدة وتستعرض الجريمة وتحذر منها». ويرى البعض أن وزارة الداخلية مقصرة في نشر الوحدات الأمنية في الأماكن العامة والمجمعات التجارية، كما أنها لا تحارب في شكل جدي ظاهرة انتشار السلاح غير المرخص، أما وزارة العدل ووسائل الإعلام فلا تقوم بدورها التثقيفي تجاه المجتمع لتعريفه ببعض المسائل القانونية، خصوصاً تلك الرادعة منها. فبعض الشباب يهون عليهم ارتكاب جنح أو جرائم أحياناً ويصطدمون لاحقاً بالعقوبة القاسية التي لم يكونوا يتوقعونها على الإطلاق. ويستعرض أحمد أصعب القضايا التي واجهته بحكم عمله فيقول: «كوني محرراً مختصاً بالقضايا والجرائم، فإنني لاحظت كثيراً من الجرائم والقضايا المأسوية التي شهدها المجتمع الكويتي خلال السنوات الأخيرة نتيجة تعصب الشباب، بينها مشاجرات وحوادث تبادل ضرب تفضي إلى جرائم قتل، ومن الجرائم البارزة أخيراً قتل شاب يبلغ 18 عاماً والده بسكين احتجاجاً على ضربه والدته». أما مالك يوسف وهو أحد الشباب المهتمين بالظاهرة، فيرى أن فئة الشباب المتسببين بالشجارات أو أصحاب السلوك العدواني هي في الغالب ممن تعاني فراغاً كبيراً وليس لديها هدف معين في الحياة أو ما يشغل وقت فراغها. ويقول: «لو سألنا أي شخص تسبب بشجار ماذا كان يفعل قبل الشجار وأين كان فسنكتشف أنه لا مكان يقصده للترفيه إلا الشارع وأنه كان في الغالب يضيع وقته».