في هذه الأيام شبكات التواصل الاجتماعي والصحف العالمية والمحلية ترصد حال المناضل الكبير والمحامي الشهير نلسون مانديلا لأنه يمر بظروف صحية سيئة، وهو يستحق الحديث عنه كقدوة في ظل الظروف التي يشهدها العالم، خصوصاً الوطن العربي، وكذلك يجب ألا تغيب سيرته، وهذا أقل الوفاء له، وهو من أشهر الشخصيات المعاصرة التي جمعت بين النضال والتسامح، فعلى رغم العقبات والمصاعب والمستحيلات التي تعرض لها، وكان سجيناً في جزيرة روبن 27 عاماً، إلا أنه ناضل واستمر في مشواره من أجل الوصول للأهداف التي رسمها في سبيل تعزيز قيمة الإنسان الغائبة ببلده، وكانت أهدافه مطرزة بمعاني القيم الإنسانية والالتزام، وعلى رأس هذه القيم قيمة التسامح التي كانت قاعدة منها ينطلق نحو أبشع الأساليب التي مورست نحوه، فهو لم يلتفت للجروح والظلم الذي عانى منه كثيراً بقدر ما كان منهجه التسامح الذي يعرف من خلاله أنه سوف يصل للمعاني الكبيرة التي يرجو أن يراها في وطنه الذي أخلص له من كل قلبه وتحمل الكثير في سبيله. نلسون مانديلا، من أبرز المعاني السامية التي كان يمتثلها مع الآخرين أنه كان جل تركيزه منصباً على عملية الوصول للانتصار على الخصوم، ولكن من دون الإساءة إلى كرامتهم والدخول معهم في معتراكات ضارة لا تنفع ولا تغذي بلده.. استطاع أن يواجه جميع أشكال الانتقام بروح متسامحة ومنفتحة وواثقة وقوية مع الآخر من دون ضعف ووهن، لقد كانت كل أشكال الأذى التي تأتيه دافعاً له أن يتعامل معها بمروءة وروح متسامحة، حتى أنه سحر بها أعداءه وخصومه، وهذه علامات رئيسة لقادة المبادئ العظماء المؤثرين القادرين على إيصال رسالتهم وتخليد أسمائهم في التاريخ. سيرته الذاتية من السير التي تستحق الدراسة والاستفادة منها وهو قام بتدوينها وتمت ترجمتها إلى 23 لغة، ونشرت بعنوان «رحلتي الطويلة من أجل الحرية»، وصدق مرشد ديفيدز حينما قال عنه «إنه كتاب للنصر والحرية والمبادئ الأخلاقية». يعتبر من المؤسسين لعلم التسامح العملي في الوقت الراهن الصعب، وكذلك امتداداً لغاندي في منهجيته وكفاحه، وهو أشار في سيرته إلى أنه كان جداً متأثراً به. خلاصة القول، إن التركيز على قيمة التسامح من خلال بث معانيها وتربية المجتمع عليها، خصوصاً الجيل الجديد «الذي يعيش صراعات مملوءة كراهيةً وانتقاماً»، ودعم القانون لها وحماية المجتمعات من العنف والانتقام أوجب من أي مرحلة مضت، بحكم أن الكراهية أصبحت أسرع انتشاراً وفتكاً في العلاقات، وقيمة التسامح لا تعني الضعف بل هي عين القوة والمساعدة في الاستمرار لاسترجاع أي حق مسلوب. * كاتب سعودي. [email protected] @alzghaibi