تدل دراسة صادرة عن سكرتارية منظمة «أوبك»، أن العام الحالي تميز بحركة من الهدوء الحذر للاقتصاد العالمي. لكن، تظهر المؤشرات أن النصف الثاني من السنة يمكن أن يشهد ارتفاعاً في الطلب على نفط المنظمة الذي سيبلغ نحو 30.5 مليون برميل يومياً. لكن يتوجب الحذر من هذا المعدل العالي نسبياً، بخاصة في ضوء التحذيرات والمخاوف من إمكان تغير نسب نمو الاقتصاد العالمي نتيجة تغير الظروف التي يشير إليها تقرير «أوبك» ذاته. يكمن سبب توقع نمو أعلى في النصف الثاني من هذا العام، في الانطلاق من معدلات منخفضة جداً في النصف الأول، ونتيجة التحسن المحدود في الاقتصاد الأميركي، إضافة إلى النتائج الإيجابية المحدودة أيضاً في عدد من الدول الناشئة وفي منطقة اليورو. وكمثال على ذلك، استمرار البيانات غير المتفائلة لكل من الاقتصادين الرئيسيين، الأميركي والصيني، خصوصاً في ما يتعلق بنمو سوق العقارات أو معدلات البطالة في الولاياتالمتحدة (وإنْ دلت هذه الأرقام على مؤشرات متحسنة، لكن أقل من المتوقع). ويصاحب هذه التوقعات، سياسات التقشف في منطقة اليورو، في وقت بدأنا نشهد تحسناً في الاقتصاد الياباني، نتيجة السياسات الحكومية للدفع قدماً باقتصاد البلاد. أما في أسواق النفط، فمن المتوقع أن يرتفع الطلب على هذه السلعة الرئيسية في النصف الثاني من العام الحالي، بسبب المتغيرات الأساسية الموسمية خلال هذه الفترة الزمنية. ويعزز هذه الزيادة عوامل، أهمها ازدياد استعمال مبردات الهواء في فصل الصيف، بخاصة في الدول النامية، ما يدفع إلى زيادة الطلب على المنتجات البترولية في الفصل الثالث من السنة. ويتوقع أن يرتفع الطلب العالمي على النفط إلى نحو 90.5 مليون برميل يومياً خلال النصف الثاني من العام الحالي، وهذا المعدل هو أعلى من معدل الاستهلاك في النصف الأول الذي يقدر بنحو 88.8 مليون برميل يومياً. وفي ما يتعلق بزيادة الطلب على النفط ، فمن المتوقع أن يؤدي احتمال استمرار الانتعاش الاقتصادي العالمي إلى زيادة اكبر في الطلب على النفط. ويرجح في هذا الخصوص أن يرتفع الطلب على النفط خلال النصف الثاني من السنة نحو 900 ألف برميل يومياً، مقارنة بزيادة على الطلب مقدارها 700 ألف برميل يومياً خلال النصف الأول. ولكن، على رغم هذه المعدلات المتفائلة، يجب الأخذ بالحذر، فهناك احتمال قوي لأن تستمر حال الضعف الاقتصادي في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (الدول الصناعية الغربية) بسبب المؤشرات التي تدل على ضعف الاقتصاد الأوروبي، الإضافة إلى احتمال أخطار قد تهدد عوامل الانتعاش الاقتصادي في الولاياتالمتحدة. أما بالنسبة للدول النامية غير الصناعية، فالأخطار هناك ناجمة عن تباطؤ النمو الاقتصادي، خصوصاً في الدول الناشئة منها، التي شكلت المحرك الرئيس للنمو الاقتصادي العالمي في السنوات الأخيرة. وتشكل دول الشرق الأوسط وأميركا اللاتينية، المناطق الرئيسة التي من المحتمل أن يرتفع فيها الطلب على النفط عن مستوياته الحالية، نظراً إلى توسع حركة المواصلات والنقل، وزيادة الطلب على استخدام الكهرباء، وارتفاع حركة التعمير والبناء. وفي ما يتعلق بإمدادات النفط، يتوقع أن تستمر معدلات زيادة الإنتاج التي تمت خلال النصف الأول من قبل الدول غير الأعضاء في منظمة «أوبك»، مثل الولاياتالمتحدة وكندا ودول الاتحاد السوفياتي سابقاً وأفريقيا وأميركا اللاتينية. أما زياة معدلات الإنتاج من خارج دول منظمة «اوبك» خلال هذه السنة، فقد حصلت نتيجة ارتفاع الإنتاج في كل من الولاياتالمتحدة وكندا. ويتوقع أن يرتفع معدل انتاج الدول غير الاعضاء في منظمة «اوبك» نحو 1.1مليون برميل يومياً من النفط الخام خلال النصف الثاني، وهذا المعدل أعلى من الزيادة الإنتاجية للدول غير الأعضاء في المنظمة خلال النصف الأول، وهي نحو 900 ألف برميل يومياً. توصلت الدراسة إلى نتيجة مفادها أن الإمدادات ستكون كافية خلال النصف الثاني، كما أنها ستسمح أيضاً بتوفير كميات وافية من النفط للمخزون التجاري. ولا بد من التذكير هنا بأن أسعار النفط الخام قد حافظت على معدلات مستقرة طوال العامين الماضيين، على رغم المشاكل الجيوسياسية في دول الشرق الأوسط، وعلى رغم الأزمة الاقتصادية العالمية، وبغض النظر عن ازدياد إنتاج النفط الصخري في الولاياتالمتحدة وكندا. فقد حصل، ومع وجود هذه العوامل التي قد تدفع بارتفاع الأسعار أو خفضها، توازن ملحوظ في معدلات العرض والطلب، واستطاعت منظمة «أوبك» الحفاظ على هذا التوازن، وعلى استقرار الأسعار. وكمثال على استقرار مستوى الأسعار، نورد معدل أسعار سلة نفوط «أوبك» خلال الفترة القريبة الماضية، كما أوردتها سكرتارية المنظمة، فقد سجل معدل سعر سلة نفط «أوبك» خلال عام 2013 وحتى الآن 105.09 دولار للبرميل. ومعدل سعر السلة لعام 2012 هو 109.45 دولار. ومعدل سعر السلة خلال الربع الأول لعام 2013 بلغ 109.48 دولار. وكان معدل سعر السلة خلال الربع الثاني من العام الحالي 100.90 دولار. أما خلال الأشهر الثلاث الماضية، فقد تراوحت الأسعار ما بين 100 و101 دولار للبرميل، وهو فرق بسيط جداً في معترك تقلبات أسعار المواد الأساسية في الأسواق العالمية. فسعر سلة نفوط «أوبك» خلال نيسان (أبريل) بلغ 101.05 دولار للبرميل. وسعر السلة في أيار (مايو) سجل 100.65 دولار، كما سجل في حزيران (يونيو) الماضي 101.03 دولار. * مستشار لدى نشرة «ميس» النفطية