ليس مهرجان الأناشيد والرقصات في لاتفيا الذي يختتم اليوم في العاصمة ريغا، مجردَ حفلة فولكلورية عادية، فهو بات يتمتع بموقع مهم جداً بفضل الدور الذي لعبه في نضال هذا البلد للوصول إلى الحرية. افتتح المهرجان في 30 حزيران (يونيو) ويبلغ ذروته اليوم مع جوقة عملاقة تضم ما لا يقل عن 12 ألف لاتفي، تغنّي في مدرج في الهواء الطلق. وقال وزير الثقافة اللاتفي زانيتي جونزيمي-غرندي خلال افتتاح المهرجان: «ثمة حرب يمكن أن تكسبها لاتفيا من دون أسلحة: إنها حرب الجوقات». وأضاف: «منذ 140 عاماً نحتفل بمهرجان الأناشيد والرقصات في لاتفيا، وقد أصبحنا من خلال ذلك قوة عظمى في هذا المجال». ويصعد على المسرح ما مجموعه 40 ألف شخص، أي 2 في المئة من سكان لاتفيا، خلال المهرجان الذي يحضره مئة ألف شخص. وقال مدير الجوقة رومانس فانغاس: «إنها تجربة أوصي بها الجميع». ويوضح هذا الرجل الخمسيني بعد التمرين الأخير على نشيد «سول بيركونز جوغافا» (الشمس والرعد والنهر جوغافا) وهو نشيد وطني غير رسمي: «بدأنا هذا العمل قبل 20 عاماً. انه لأمر مدهش، الشعور بقوة كل هذه الأصوات التي تغني من دون موسيقى». وفانغاس هو من النخبة التي تدير هذا الحدث الثقافي الذي يحتفل هذه السنة بدورته الخامسة والعشرين. ويقام المهرجان كل خمس سنوات وهو مدرج في قائمة التراث غير المادي لليونسكو. ويشكل منذ نهاية القرن التاسع عشر أحد الأحداث الثابتة في تاريخ هذه الأمة البلطيقية المضطرب البالغ عدد سكانها مليوني نسمة . انطلق المهرجان العام 1873، وكان يشكل فرصة نادرة للاّتفيين عندما كانوا تحت سيطرة روسيا القيصرية، لاستخدام لغتهم الوطنية علناً. وتحول سريعاً منصة لأغاني «داينا» الفلاحية التي تنقل شفهياً من جيل إلى آخر. وبعد الثورة الشيوعية الروسية، أعلنت لاتفيا استقلالها في 18 تشرين الثاني (نوفمبر 1918) إلا أن مرحلة الحرية كانت قصيرة، فقد أعاد الاتحاد السوفياتي احتلالها مع أستونيا وليتوانيا عام 1940 ثم اجتاحتها ألمانيا النازية في 1941 لتستعيدها موسكو عام 1944. وفي المرحلة السوفياتية كان يسمح للاتفيين بالغناء بلغتهم الأم ولكن تحت راية ماركس ولينين. وتغيرت اللهجة في حزيران (يونيو) 1988 مع بدء «ثورة الأناشيد» في أستونيا عندما غنى آلاف الأشخاص أناشيد مناهضة للاتحاد السوفياتي في تالين. وقد تردد صدى الحرية في ليتوانيا ولاتفيا المجاورتين.