سعياً لوضع نُظُم تشاركية تعمل على مستوى المؤسسات وتصل إلى المزارعين، اجتمع مسؤولون من 80 دولة في مؤتمر حمل شعار «سياسات الأمن المائي والغذائي في الدول الجافة»، استضافته القاهرة أخيراً. وخلص المؤتمر إلى توجيه مجموعة من الرسائل إلى المجتمع الدولي، تتعلّق بمنع الهدر في مصادر المياه، وتغيير أنماط السلوك في استهلاك الغذاء. «معظم موارد المياه يتشارك فيها عدد من الدول، ولا تستطيع دولة بعينها أن تؤمن لنفسها ما يكفيها من المياه، من دون جهود متكاملة إقليمياً»، بحسب الدكتور راميش شاند، وهو مدير «المركز الوطني لبحوث الاقتصاد الزراعي وسياسات البحوث» في الهند. وحملت كلماته إشارة إلى أحدى أهم توصيات المؤتمر التي قضت بضرورة التوقيع على اتفاقية مفتوحة أمام المنظمات والدول، تتعلّق بتطبيق سياسات تهادف لتحقيق الأمن مائياً وغذائياً. في محاولة لتشخيص أسباب تفاقم الهدر في المياه والزراعة في الدول الجافة، أشار الدكتور محمود الصلح، وهو رئيس «المركز الدولي لبحوث الزراعة في المناطق القاحلة» إلى أن كثيراً من التقنيات الحديثة لم تصل بعد إلى المزارع. ولفت إلى غياب سياسات تشجّع على الاستثمار في الزراعة وبحوثها، مشيراً إلى ضرورة ربط هذه السياسات بنتائج البحوث العلمية. وقال: «وصلنا إلى مرحلة خطيرة في استعمال المياه الجوفية بشكل جائر، مع ملاحظة أن المياه مصدر طبيعي يجب أن تتوارثه الأجيال». وتناول الصلح ظاهرة التزايد في أعماق الحفر للوصول إلى المياه الجوفية في كثير من البلدان، وهو يلامس الآن قرابة 150 متراً، بمقارنة ب 15 متراً قبل ما يزيد على عشرين عاماً. وأورد الصلح أسماء بعض الدول التي تسرف في استهلاك المياه الجوفية، وهي المغرب وسورية وتونس، مُبيّناً أن هذا الإسراف يساهم في ارتفاع الملوحة في الأراضي الزراعية. خط الفقر المائي وتحدّث الدكتور مجاهد عاشوري، وهو ممثل «منظمة الأغذية والزراعة» («الفاو») في مصر، عن تراجع نصيب الفرد من المياه في الشرق الأدنى وشمال إفريقيا ليصل إلى 800 متر مكعب سنوياً، فيما يبلغ نصيب الفرد عالميّاً قرابة سبعة آلاف متر مكعب، بل تراجع هذا الرقم إلى 150 متراً مكعباً في الأردن. وأضاف عاشوري أن «الفاو» تبحث حالياً مع أطراف معنيّين بالأمن الغذائي في مصر، بهدف صوغ سياسات مستقبلية للتعاون من أجل توفير الأمن الغذائي واتّخاذ قرارات مناسبة في هذا الصدد. «يعاني 870 مليون شخص في الدول الجافة من انعدام الأمن الغذائي، وتعيش 34 دولة تحت خط الفقر مائياً». بهذه الكلمات، استهل الدكتور جويدو غرايسيلز، وهو المدير العام ل «المعهد الملكي لوسط أفريقيا» (مقرّه بلجيكا) محاضرته في المؤتمر. وحملت كلماته إشارة إلى ضرورة توفير منهج متكامل في الإرشاد الزراعي يتضمّن استخدام مواقع التواصل الاجتماعي والهواتف الذكيّة في إيصال المعلومات ورفع مستوى الوعي بحلول مشاكل الماء والزراعة. ولفت غرايسيلز إلى ضرورة استخدام شبكات الإنذار المبكر في تحسين إدارة المخاطر، معتبراً أن إيجاد فرص عمل للشباب في الزراعة يشكّل ضرورة وليس خياراً. وكذلك شدّد على أهمية تغيير النظرة إلى مسألة الاكتفاء الذاتي في الطعام، وانتهاج استراتيجيات طويلة الأجل في تنمية موارد الماء وتوفير الأمن الغذائي للدول الجافة. وأوضح غرايسيلز أن هذه الاستراتيجيات تشمل إعادة النظر في تسعير المياه كي يشعر المستخدمون بأهميتها اقتصادياً، مع ضرورة التحوّط بألا يؤدي هذا الأمر إلى التأثير سلباً على الفقراء والفئات الضعيفة اقتصادياً واجتماعياً. وجاءت كلمة الدكتور محمود أبو زيد، رئيس «المجلس العربي للمياه»، على شكل رسائل قصيرة، تناولت ضرورة توفير الإدارة الرشيدة للمياه، واتّخاذ إجراءات حاسمة من قِبَل الدول الناميّة حيال التأثيرات السلبيّة لظاهرة الاحتباس الحراري، والعمل على تجسير «الفجوة المعلوماتية» لدى صغار المزارعين عبر توعيتهم بطرق استخدام التقنيّات الرقميّة بشكل فعّال. واختتم أبو زيد كلمته قائلاً: «الماء فرصة لإرساء السلام، بدلاً من الحرب»، مطالباً المجتمع الدولي بوضع «خارطة طريق» خلال اجتماع سيعقد في العام 2017، ترتكز على تعزيز البحث والابتكار في مجال الأمنين المائي والغذائي في الدول الجافة.