فرض الجفاف آثاره السلبية على المناطق السعودية في الأعوام الأخيرة، مخلفاً أضراراً اجتماعية واقتصادية وبيئية عدة، رصدتها جهات حكومية، وحذرت من خطورتها على الأمن المائي والغذائي للبلاد. ونبه نائب وزير الدفاع الأمير خالد بن سلطان بن عبدالعزيز من جديد إلى خطر الجفاف في السعودية وكامل المنطقة العربية، وكذلك على المستوى العالمي، عندما حذر مطلع شهر كانون الثاني (يناير) الجاري - في افتتاح فعاليات المؤتمر الدولي الخامس للموارد المائية والجافة - الحكومات العربية من «احتمال وقوع كارثة الجفاف والعطش في المنطقة، ما لم تعد تلك الحكومات النظر في طرق استخدام المياه، خصوصاً في مجال الزراعة». وسبق لنائب وزير الدفاع السعودي الذي يترأس جائزة الأمير سلطان للمياه أن اعتبر - في تصريحات سابقة - المياه «عنصراً من عناصر قوة الدولة جنباً إلى جنب مع القوة الاقتصادية والعسكرية والسياسية والاجتماعية والمعلوماتية». واعتبر أن «العالم أجمع رهنٌ لقطرة الماء»، كما حذر من خطر الصراع على المياه، ومن احتمال أن تكون الحرب المقبلة «حرب مياه». ووجهت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة في العام الماضي (2012) إنذاراً لجميع الجهات الحكومية من قدوم «موجة جفاف من المنتظر أن تشهدها المملكة في الفترة المقبلة، ما يتطلب تضافر كل الجهود ووضع استراتيجية وطنية لمواجهتها، بما يكفل الحد من آثارها السلبية على العديد من القطاعات». كما وجه وزير الزراعة الدكتور فهد بالغنيم تحذيرات مباشرة للمزارعين في مناطق مختلفة من المملكة من خطر الجفاف الذي يتهدد مزارعهم، داعياً إياهم إلى ضرورة الترشيد في استهلاك المياه واستخدام طرق الري الحديثة. «التصحر» يضرب بقوة.. والمزارعون يفقدون السيطرة اضطرت الحكومة السعودية في الفترة الأخيرة إلى إعفاء المزارعين في مناطق عدة (من بينها محافظة بيشة التي تشير التقديرات إلى أن مزارعيها فقدوا نحو ثلاثة ملايين نخلة بسبب الجفاف)، من سداد نحو 50 في المئة من قيمة القروض المطلوبة عليهم للبنك الزراعي العربي السعودي، لقلة المياه والجفاف وعجزهم عن سداد القروض الحكومية الممنوحة لهم، كما اضطرت إلى زيادة الدعم الحكومي للأعلاف ومدخلاتها. وتستورد السعودية حالياً كميات كبيرة من حاجاتها من الأغذية من الخارج، بسبب ارتفاع الطلب نتيجة الزيادة الكبيرة في أعداد السكان، في مقابل تراجع الإنتاج الزراعي المحلي وتضرره نتيجة الجفاف الشديد، وهو ما يهدد أمن البلاد الغذائي بالخطر. كما تلبي السعودية قدراً كبيراً من حاجة مواطنيها من مياه الشرب من خلال تحلية مياه البحر، بعد تراجع مخزون المياه الجوفية وجفاف كثير من الآبار والعيون في مناطق عدة. وتشير تقديرات المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة إلى تنامي الطلب على المياه المحلاة في السعودية بمعدلات تربو على 14.5 في المئة سنوياً، ويتوقع أن يصل إلى نحو 5.7 مليون متر مكعب من المياه المحلاة يومياً في عام 2014، وهو ما حفز الحكومة السعودية إلى رصد 163 بليون ريال لجميع القطاعات العاملة في شؤون المياه في البلاد. وتعاني السعودية أيضاً من ارتفاع معدل الاستهلاك اليومي للفرد في السعودية، الذي يقع ضمن أعلى المعدلات في العالم، فوفقاً لدراسة أجرتها شركة بوز آند كومباني «يفوق استهلاك الفرد السعودي من المياه معدل الاستهلاك العالمي بنسبة 91 في المئة، وهو ما يتجاوز الاستهلاك في المملكة المتحدة بأكثر من ست مرات». وقدم مسؤولو المركز الإقليمي لمراقبة الجفاف والإنذار المبكر والتوقعات الفصلية للدول العربية وجنوب غرب آسيا، التابع للرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة، صورة قاتمة لوضع الجفاف في المناطق السعودية (أوصت ليصبح هيئة إقليمية ذات صفة اعتبارية مستقلة تخدم جميع الدول العربية). وأكد رئيس اللجنة العربية الدائمة للأرصاد الجوية الدكتور سعد المحلفي ل«الحياة» أن الوضع العام للجفاف في السعودية «سيء جداً»، مشيراً إلى أن الجفاف ظاهرة ملموسة محلياً وعربياً ودولياً، مشيراً إلى أن التقارير الواردة من مناطق المملكة وكذلك من الدول العربية تشير إلى زيادة ظاهرة الجفاف، نتيجة هطول الأمطار أقل من معدلاتها المسجلة. وأوضح الدكتور المحلفي أن جولات فرق المسح الميدانية على جميع المناطق السعودية، وكذلك نتائج الاستبانات الواردة من الجهات الحكومية المعنية، إضافة إلى المقارنة الدورية بين الصور الجوية، تؤكد جميعها تأثر المناطق السعودية كافة بشدة الجفاف، كما أن التقارير الواردة من الدول العربية إلى المركز تشير إلى زيادة تأثرها بالظاهرة نفسها، بدرجات متفاوتة. وكشف رئيس اللجنة العربية الدائمة للأرصاد الجوية عن تأثيرات سلبية اقتصادية واجتماعية وبيئية عدة رصدتها خمس فرق مسح ميدانية جالت على مناطق المملكة في عام 2011، وأكدت تلك التأثيرات أيضاً المعلومات الواردة من الجهات الحكومية، في ردها على الاستبانات الموجهة إليها من المركز. وأوضح أن المسح الميداني وقف على واقع الغطاء النباتي ومدى تأثير الجفاف في الأشجار والنبات ونقص المسطحات الخضراء، وتأثير الجفاف سلباً في المياه الجوفية بما يؤدي إلى نقصها في شكل كبير نتيجة قلة الأمطار، وكذلك نقص الأراضي الزراعية بسبب ندرة الأمطار وتناقص المياه الجوفية بما يؤدي إلى تلف المحاصيل الزراعية، وهو ما ينتج منه تأثر الاقتصاد العام نتيجة تأثر الإنتاج الزراعي والحيواني والغطاء النباتي، إلى جانب الوقوف على الآثار الاجتماعية والبيئية، كهجرة المزارعين إلى المدن، وتأثر البيئة سلباً نتيجة جفاف الأشجار ونقص المسطحات الخضراء. انخفاض المستوى المعيشي للمزارعين أشار رئيس اللجنة العربية الدائمة للأرصاد الجوية الدكتور سعد المحلفي إلى أن الجفاف تسبب في انخفاض المستوى المعيشي للمزارعين، واضطرار بعض مزارعي النخيل إلى تصدير ما تبقى من نخيلهم إلى خارج السعودية، أو بيعها لاستخدامات تزيين الشوارع في المدن، كما تحولت بعض المزارع إلى مخططات سكنية أو إلى مستودعات وأنشطة استثمارية أخرى، بعد أن فقدت مشاريعهم الزراعية جدواها الاقتصادية، وتضخم أسعار الماشية بسبب ارتفاع أسعار الأعلاف، وانخفاض مستوى الجودة والإنتاج للمحاصيل الزراعية عموماً. ولفت إلى حدوث ظاهرة هجرة المزارعين من القرى ومربّي المواشي من البوادي باتجاه المدن مع ما يترتب على ذلك من آثار سلبية ومشكلات حضرية من زيادة في التعداد السكاني (رصدت جولات فرق المسح الميداني قرى عدة في مناطق مختلفة هجرها السكان بسبب تعرض مزارعهم للجفاف وتضررهم اقتصادياً وارتفاع أسعار أعلاف الماشية)، وزيادة الأعباء الاقتصادية على الدولة لتوفير مصادر بديلة لسدّ الحاجات المتنامية للمياه، نتيجة لتأثير الجفاف في الموارد الأساسية للمياه كالآبار والسدود والعيون والأودية التي تعرضت مياهها للنضوب في الأعوام الأخيرة، وتضرر قطاع الزراعة المعتمد على الموارد الطبيعية التي تتأثر بالجفاف. ونوه رئيس اللجنة العربية الدائمة للأرصاد إلى تأثر قطاع المصارف نتيجة للتعثر في سداد قروض المشاريع الزراعية وقطاع السياحة، نظراً لقلة الأمطار وارتفاع درجات الحرارة الناتجة من الجفاف. والتي تعتبر من المتغيرات التي لا يحبذها السائح في المنطقة المعنية بالسياحة. كما امتدت التأثيرات إلى قطاع الطاقة نتيجة للضغوط المتزايدة على استهلاك الكهرباء بسبب حدة الموجات الحارة المرتبطة بالجفاف. العواصف الرملية في ازدياد.. و«الزحف» يهدد المدن نبّه رئيس اللجنة العربية الدائمة للأرصاد الجوية سعد المحلفي إلى آثار بيئية عدة تعرضت لها المناطق السعودية بسبب الجفاف، وأدت تعرية التربة وزيادة رقعة التصحر في شكل ملحوظ إلى الزيادة المطردة في عدد مرات تكرار العواصف الرملية والعوالق والدوامات الترابية، وزيادة زحف الرمال، الذي يهدد بدوره المدن والمنشآت الرئيسة، ويؤدي إلى ارتفاع معدل الإصابة بالأمراض الصدرية نتيجة التلوث الهوائي بالأتربة، وانحسار الغطاء النباتي أو انعدامه، ما أدى إلى تهديد الحياة البرية المعتمدة عليه، وتلوث المياه نتيجةً اضمحلالها، وأدى كذلك إلى ازدياد ملوحتها، وبالتالي عدم جودتها، وتعرض بعض أنواع الأشجار والنباتات لخطر الانقراض. وأفاد الدكتور المحلفي بأن الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة دعت الوزارات المعنية لعقد اجتماع تنسيقي على مستوى وكلاء الوزارات، لوضع الحلول العاجلة لمجابهة موجة الجفاف التي تتعرض لها السعودية، والعمل على وضع استراتيجية وطنية لمواجهتها. وأوضح أن الرئاسة اقترحت توصيات عدة لمواجهة الآثار السلبية للجفاف والعواصف الترابية، تشمل إعداد سياسات واستراتيجيات وطنية وإقليمية لمواجهة الجفاف والحد من آثاره، والإنذار المبكر من موجاته بوقت كاف، من خلال توفير المعلومات لصناع القرار، للتخطيط المبكر لمجابهة حدة الجفاف المستقبلي. وقال الدكتور المحلفي: «شملت توصيات الرئاسة التحذير من تفاقم مشكلة تلوث الهواء في الأعوام المقبلة بسبب استمرار ارتفاع درجة حرارة الأرض، ما سيؤدي إلى انتشار الجفاف والتصحر، ويرفع من مخاطر زيادة حدة وتكرار العواصف الرملية والترابية والغبارية، وزيادة نسبة الإصابة بأمراض الحساسية الجلدية والشعب الهوائية والربو والتهاب العيون، كما دعت إلى العمل على زيادة وعي العاملين وتطوير قدراتهم بأهمية تطبيق المعايير والمواصفات التي تحث على الجودة، وتفعيل قرار جامعة الدول العربية في خصوص تنفيذ مشروع الحزام الأخضر في الدول العربية». وأضاف: «كما تضمنت التوصيات الدعوة إلى بذل الجهود لتذليل المعوقات، والتي تشمل ضرورة تدبير الموارد المالية، وإعداد برامج التدريب والتأهيل والبحوث في المجالات ذات العلاقة، والاهتمام بالنواحي الإدارية والتشريعية، وتحديد الجهة المتخصصة». وأشار إلى أن الاجتماع الأول لوزراء الأرصاد العرب الذي انعقد في مدينة جدة أقر إنشاء هيئة عربية مستقلة معنية بشؤون الجفاف والمناخ، تخدم جميع الدول العربية. وسعت الحكومة السعودية في الأعوام الأخيرة إلى اتخاذ إجراءات متنوعة للتخفيف من مخاطر الجفاف وأضراره الاجتماعية والاقتصادية والبيئية. وتضمنت الإجراءات المطبقة حلولاً غير تقليدية لمواجهة خطر الجفاف، إذ أطلقت الرئاسة العامة للأرصاد وحماية البيئة مشروعاً تجريبياً ل«استمطار السحب» صناعياً، بدأت تجاربه العملية في العام 1990 في منطقة عسير، قبل أن يتقرر تعليقه في العام 2011، بداعي إجراء «مراجعة فنية وتقنية للمشروع»، ولم يستأنف المشروع أعماله منذ ذلك الحين. كما أطلقت وزارة المياه والكهرباء حملات عدة لتوعية المواطنين والمقيمين في السعودية حول ضرورة ترشيد استهلاك المياه، وتنبيههم إلى خطر استنزاف مواردها المتاحة، شملت توزيع كميات كبيرة من الأدوات المساعدة على ترشيد الاستهلاك. وتتجه الحكومة السعودية إلى وقف شراء القمح من المزارعين المحليين بحلول العام 2016، لثنيهم عن زراعته، وتقليص العبء الذي تفرضه الزراعة على الموارد المائية للمملكة. «فاو»: الجفاف يرفع أسعار الغذاء عالمياً تشكو المنطقة العربية - وفقاً لمنظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة «فاو» - بشدة من ظاهرة الجفاف المتكرر الذي يؤثر سلباً في الأمن الغذائي، ويدمر الموارد الطبيعية، ويعوق النمو الاقتصادي بشكل عام. وأصبحت هذه الظاهرة تثير قلقاً أكبر، مع احتمال زيادة عاملي التكرار والحدة، نتيجة لتغير المناخ. وتشير إحصاءات نشرت حديثاً عن أوضاع المياه في العالم العربي إلى استيراد الدول العربية لأكثر من 300 ألف بليون متر مكعب من المياه سنوياً، وتعتبر 90 في المئة من المناطق العربية صحراوية قاحلة، وتصل نسبة التبخر فيها إلى 80 في المئة. كما أن 50 في المئة من مياه شبه الجزيرة العربية جوفية، ولا توجد في معظم الدول العربية أنهار، ولذلك تعتمد كثيرٌ من تلك الدول إلى السحب من الأحواض الجوفية باستمرار، وهو ما يهدد باستنزاف تلك الموارد وتعرضها للتلوث وارتفاع درجة الملوحة فيها. وعلى الصعيد الدولي، أكدت منظمة الفاو في آب (أغسطس) 2012، أن الجفاف تسبب في إلحاق ضرر بإنتاج الحبوب العالمي في بعض أجزاء العالم، كما أسهم في ارتفاع أسعار الغذاء كل سنتين تقريباً منذ عام 2007، وهو ما سلط الضوء على الحاجة إلى تغيير الطريقة التي تُستخدم فيها المياه، وتُهدر، عبر السلسلة الغذائية برمتها. كما أصدرت الفاو توقعات بتراجع إمدادات الحبوب العالمية في شدة في موسم 2012-2013، مع تضرر إنتاج القمح والذرة بأسوأ موجة جفاف تشهدها الولاياتالمتحدة في عقود، وقلة المطر في أجزاء كبيرة من أوروبا وآسيا الوسطى. وأضافت: «إن انتاج القمح الذي عانى في شدة بسبب الجفاف في شرق أوروبا ووسط آسيا سيهبط 5.5 في المئة إلى 661 مليون طن»، إلا أنها ذكرت أن ذلك المستوى قريب من متوسط الأعوام الخمسة الماضية.